يرومون ، هل يتصور عاقل بأن هذا التصرف في مواجهة النبي هو أمر هين ؛ أو مقبول ؛ أو معذور ؛ قال تعالى :
( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) (١).
فهل سلم عمر بن الخطاب هنا ولم يجد في نفسه حرجا مما قضى الرسول صلىاللهعليهوآله ؟! أم كان في موقفه تردد في ما أمر النبي؟ وخصوصا في قوله : أولست نبي الله حقا؟ أو لست كنت تحدثنا؟ إلى آخره ، وهل سلم بعد ما أجابه رسول الله بتلك الاجوبة المقنعة؟ كلا لم يقتنع بجوابه وذهب يسأل أبابكر الاسئلة نفسها ، وهل سلم بعد ما أجابه أبو بكرونصحه أن يلزم غرز النبي ، لا أدري إذا كان سلم بذلك ، أو اقتنع بجواب النبي أو بجواب أبي بكر!! وإلا لماذا تراه يقول عن نفسه : « فعملت لذلك أعمالا .. ولا أدري سبب تخلف البقية الباقية من الحاضرين بعد ذلك إذ قال لهم رسول الله : قوموا فانحروا ثم أحلقوا ، فلم يستمع إلى أمره أحد منهم حتى كررها عليهم ثلاث مرات بدون جدوى.
سبحان الله! أنا لا أكاد أصدق ما أقرأ ، وهل يصل الامر بالصحابة إلى هذا الحد في التعامل مع أمر الرسول ، ولو كانت هذه القصة مروية من طريق الشيعة وحدهم لعددت ما قالوا افتراء على الصحابة الكرام ، ولكن القصة بلغت من الصحة والشهرة أن تناقلها كل المحدثين من أهل السنة والجماعة أيضا ، وبما أنني ألزمت نفسي توثيق ما اتفقوا عليه ، فلا أراني إلا مسلما ومتحيرا : ماذا عساني أن أقول؟ وبم أعتذر عن هؤلاء الصحابة الذين قضوا مع رسول الله قرابة عشرين عاما من البعثة إلى يوم الحديبية ، وهم يشاهدون المعجزات وأنوار النبوة ، والقرآن يعلمهم ليلا نهارا كيف يتأدبون مع حضرة الرسول وكيف يكلموه ، حتى هددهم الله بإحباط أعمالهم إن رفعوا أصواتهم فوق صوته.
ويدفعني إلى الاحتمال بأن عمر بن الخطاب هو الذي أثار بقية الحاضرين ودفعهم إلى التردد والتخلف عن أمر الرسول ـ زيادة على اعترافه بأنه عمل لذلك أعمالا لم يشأ
__________________
( ١ ) سورة النساء : آية ٦٥.