الشاعر إذا انتهى إلى آخر البيت استخرج قافية يريد بها معنى زائدا ، فكأنه قد تجاوز حد المعنى الذي هو آخذ فيه ، وبلغ مراده فيه إلى زيادة عن الحد.
وهذا النوع من المبالغة مما فرّعه قدامة بن جعفر وعرّفه بقوله : «هو أن يستكمل الشاعر معنى بيته بتمامه قبل أن يأتي بقافيته ، فإذا أراد الإتيان بها ليكون الكلام شعرا أفاد بها معنى زائدا على معنى البيت» (١).
وعرف أبو هلال العسكري الإيغال بقوله : «هو أن يستوفي معنى الكلام قبل البلوغ إلى مقطعه ، ثم يأتي بالمقطع فيزيد معنى آخر يزيد به وضوحا وشرحا وتوكيدا حسنا» (٢).
سئل الأصمعي : من أشعر الناس؟ قال : الذي يجعل المعنى الخسيس بلفظه كبيرا ، أو يأتي إلى المعنى الكبير فيجعله خسيسا ، أو ينقضي كلامه قبل القافية فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى ، فسئل : نحو من؟ فقال :
نحو الأعشى إذ يقول :
كناطح صخرة يوما ليوهنها |
|
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل (٣) |
فقد تم المثل ـ أي التشبيه ـ بقوله : «وأوهى قرنه» فلما احتاج إلى القافية قال «الوعل». فسئل : وكيف صار الوعل مفضلا على كل ما ينطح؟ قال : لأنه ينحط من قنّة الجبل على قرنه فلا يضيره.
ثم سئل : نحو من؟ قال : نحو ذي الرّمة بقوله :
__________________
(١) خزانة الأدب لابن حجة الحموي ص ٢٣٤.
(٢) كتاب الصناعتين ص ٣٨٠.
(٣) الوعل بكسر العين : ذكر الشاة الجبلية.