وإن صخرا لتأتم الهداة به |
|
كأنه علم في رأسه نار |
فإن معنى جملة البيت كامل من غير القافية ، ووجودها زيادة لم تكن له قبلها. فالخنساء لم ترض لأخيها أن يأتمّ به جهّال الناس حتى جعلته يأتمّ به أئمة الناس ، ولم ترض تشبيهه بالعلم ، وهو الجبل المرتفع المعروف بالهداية ، حتى جعلت في رأسه نارا. فهذا الإيغال البديع أكمل معنى المشبه به ، وزوّد البيت بالقافية.
ومن بديع إيغال المحدثين قول مروان بن أبي حفصة :
همو القوم : إن قالوا أصابوا ، وإن دعوا |
|
أجابوا ، وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا |
فقوله «وأجزلوا» إيغال في نهاية الحسن.
* * *
والإيغال ليس مقصورا على الشعر ، وإنما هو يجيء في الشعر والنثر على حد سواء. ومجيئه في النثر المسجوع أكثر وذلك لإتمام الفواصل وزيادة المعنى. ومن أمثلته قوله تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.) فإن الكلام تمّ بقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) ثم احتاج الكلام إلى فاصلة تناسب القرينة أو الفاصلة الأولى ، فلما أتى بها وهي (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أفاد بها معنى زائدا ، وذلك لأنه لا يعلم أن حكم الله أحسن من كل حكم إلا من أيقن أنه سبحانه حكيم عادل.
ومثله قوله تعالى : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ. إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ.) فإن المعنى تم بقوله تعالى : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) ثم ورد ما بعد ذلك وهو (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) لإتمام الكلام بالفاصلة ولإفادة معنى زائد ، هو المبالغة في