نفوسهم ، فإن الصلاة من أوكد فرائض الله على عباده ، ثم أتبعها بالإخلاص الذي هو عمل القلب ، إذ عمل الجوارح لا يصح إلا بإخلاص النية ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الأعمال بالنيات».
* * *
أما القسم الثالث والأخير من أقسام الالتفات فهو الخاص بالإخبار عن الفعل الماضي بالمستقبل وعن المستقبل بالفعل الماضي.
فالأول هنا ، هو «الإخبار عن الفعل الماضي بالمستقبل». وبيان ذلك أن الفعل المستقبل إذا أتى في حالة الإخبار عن وجود الفعل كان ذلك أبلغ من الإخبار بالفعل الماضي. والسبب في ذلك أن الفعل المستقبل يوضح الحال التي يقع فيها ، ويستحضر تلك الصورة حتى كأن السامع يشاهدها وليس كذلك الفعل الماضي.
وليس كل فعل مستقبل يعطف على ماض يجري هذا المجرى.
وتفصيل ذلك أن عطف المستقبل على الماضي ينقسم إلى ضربين : أحدهما بلاغي وهو إخبار عن الفعل الماضي بمستقبل ، والآخر ليس بلاغيا. وليس إخبارا عن فعل ماض بمستقبل ، وإنما هو مستقبل دل على معنى مستقبل غير ماض ، ويراد به أن ذلك الفعل مستمر الوجود لم يمض.
فالضرب الأول كقوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ.) فإنما قال (فَتُثِيرُ) مستقبلا وما قبله وما بعده ماض ، وذلك حكاية للحال التي يقع فيها إثارة الريح السحاب ، واستحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة ... وهكذا يفعل بكل فعل فيه نوع تميز وخصوصية ، كحال تستغرب أو تهم المخاطب أو غير ذلك.