يأتي البليغ على صحة دعواه بحجة قاطعة أيا كان نوعها.
ولعل مما يؤكد ذلك قول الجاحظ في معرض المعرفة والاستدلال : «ولو لا استعمال المعرفة لما كان للمعرفة معنى ، كما أنه لو لا الاستدلال لما كان لوضع الدلالة معنى ..... وللعقل في خلال ذلك مجال ، وللرأي تقلب ، وتنشر للخواطر أسباب ، ويتهيأ لصواب الرأي أبواب» (١).
* * *
وقد عرض البلاغيون بعد ابن المعتز للمذهب الكلامي وعدوه من فنون البديع ، ومن هؤلاء أبو هلال العسكري وابن رشيق القيرواني.
وكلام هذين الأديبين لم يزد في جملته على ما قاله ابن المعتز نقلا عن الجاحظ ، ولكن أبا هلال يعلق بملاحظة ذكية على قول ابن المعتز ، فيقول في مستهل كلامه عن المذهب الكلامي : «جعله عبد الله بن المعتز الباب الخامس من البديع ، وقال : ما أعلم أني وجدت منه شيئا في القرآن وهو ينسب إلى التكلف ، فنسبه إلى التكلف وجعله من البديع» (٢)!.
كما أن ابن رشيق يقرر أنه «مذهب كلاميّ فلسفيّ» (٣) كما جاء في تعقيبه على بيتين من شعر أبي نواس.
* * *
وإذا ما انتهينا إلى العصور المتأخرة فإننا نجد الخطيب القزويني «٧٣٩ ه» يعرف المذهب الكلامي بقوله : «هو إيراد حجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام ، نحو : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٤).
__________________
(١) كتاب الحيوان ج ٢ ص ١١٥ ـ ١١٦.
(٢) كتاب الصناعتين ص ٤١٠.
(٣) كتاب العمدة ج ٢ ص ٧٦.
(٤) كتاب التلخيص للقزويني ص ٣٧٤.