ومنه أيضا ما جرى بين القبعثري والحجاج ، فقد توعده الحجاج بقوله : «ولأحملنك على الأدهم» فقال القبعثري : «مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب». فقال له الحجاج : «أردت الحديد» ، فقال القبعثري : «لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا». أراد الحجاج بالأدهم القيد ، وبالحديد المعدن المخصوص ، وحملهما القبعثري على الفرس الأدهم الذي ليس بليدا. فالكلام هنا قد حمله القبعثري على خلاف مراد الحجاج قائله.
* * *
٢ ـ والقسم الثاني من أسلوب الحكيم أو القول بالموجب عند صاحب التلخيص هو حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه. وهذا القسم هو الذي شاع تداوله بين الناس ونظمه أصحاب البديعيات ، كقول ابن حجاج (١) :
قال ثقّلت إذا أتيت مرارا |
|
قلت ثقّلت كاهلي بالأيادي |
قال طوّلت قلت أوليت طولا |
|
قال أبرمت قلت حبل ودادي |
فصاحب ابن حجاج يقول له : قد ثقلت عليك وحملتك المشقة بكثرة زياراتي فيصرفه الشاعر عن رأيه في أدب وظرف وينقل كلمته من معناها إلى معنى آخر ، ويقول له : إنك ثقلت كاهلي بما أغدقت عليّ من نعم.
وفي البيت الثاني يقول صاحبه : قد طولت إقامتي عندك وأبرمتك أي جعلتك برما ملولا ، فيرد الشاعر عليه مرة أخرى في أدب ولطف
__________________
(١) هو أبو عبد الله بن أحمد البغدادي ، شاعر يميل إلى المجون في شعره ، وله ديوان شعر كبير ، توفي سنة ٣٩١ ه.