ومنه قول شاعر آخر :
ولقد أتيت لصاحبي وسألته |
|
في قرض دينار لأمر كانا |
فأجابني والله داري ما حوت |
|
عينا فقلت له ولا إنسانا (١) |
فالبيت الثاني جاء على أسلوب الحكيم ، لأن المخاطب أراد بكلمة «عينا» الذهب ، ولكن المتكلم حملها على العين الباصرة ، وهو ما لم يقصده المخاطب ، إشارة إلى أن منعه من القرض لا يجوز.
ومنه كذلك قول بعضهم :
طلبت منه درهما |
|
يوما فأظهر العجب |
وقال ذا من فضة |
|
يصنع لا من الذهب |
ففي البيت الثاني صرف لطيف عن طلب الدينار ، فإن الشاعر لم يجب السائل عن سؤاله ، وإنما أخذ يحدثه فيما يصنع منه الدينار وأنه من الفضة لا من الذهب ، إشعارا بأنه ما كان ينبغي له أن يطلب.
ومنه قول شاعر يجيب ابنا له سأله عن الروح والنفس :
جاءني ابني يوما وكنت أراه |
|
لي ريحانة ومصدر أنس |
قال : ما الروح؟ قلت : إنك روحي |
|
قال : ما النفس؟ قلت : إنك نفسي |
ففي البيت الثاني سأل الابن عن الروح والنفس وهما من الأمور التي حار العلماء والفلاسفة في تعريفهما وتحديدهما ، ولهذا صرف الشاعر ابنه عن ذلك ببيان منزلته منه ، إشعارا بأنه ما كان ينبغي له أن يتكلم في ذلك ، لقصوره عن أن يتكلم فيما دق من الأمور.
__________________
(١) العين : الذهب والباصرة ، والإنسان قد يراد به إنسان العين وقد يراد به أحد بني آدم.