ومنه قول الحريري في المقامة الوبرية : «حكى الحارث بن همام ، قال : ملت في ريّق زماني الذي غبر ، إلى مجاورة أهل الوبر ، لآخذ أخذ نفوسهم الأبية ، وألسنتهم العربية ، فأوطنوني أمنع جناب ، وفلّوا عني حد كل ناب ...» (١).
ومنه قول بديع الزمان الهمذاني في مقامته الجاحظية التي ينقد فيها كلام الجاحظ على لسان عيسى بن هشام : «فهلموا إلى كلامه فهو بعيد الإشارات ، قليل الاستعارات ، قريب العبارات ، منقاد لعريان الكلام يستعمله ، نفور من معتاصه يهمله ، فهل سمعتهم له لفظة مصنوعة أو كلمة مسموعة؟» (٢). فمن كلام الحريري وبديع الزمان ما التزم فيه بحرف أو أكثر قبل حرف الروي.
ومن أمثلة لزوم ما لا يلزم في الشعر قول شاعر جاهلي :
عصاني قومي والرشاد الذي به |
|
أمرت ومن يعص المجرب يندم |
فصبرا بني بكر على الموت إنني |
|
أرى عارضا ينهل بالموت والدم |
فاللزوم هنا في الميم والدال.
ومنه قول أبي تمام :
خدم العلا فخدمته وهي التي |
|
لا تخدم إلا قوام ما لم تخدم |
فإذا ارتقى في قلة من سودد |
|
قالت له الأخرى : بلغت تقدم |
__________________
(١) مقامات الحريري ص ١٩٦ ، وريق زماني : أوله ، وغبر : مضى وتقدم ، وأهل الوير : هم أهل البدو ، لآخذ أخذ نفوسهم : لأقتدي بهم ، وأوطنوني : أنزلوني وأحلوني ، وفلوا : كسروا.
(٢) مقامات بديع الزمان ص ٧٥ ، وعريان الكلام : ما لا يكسوه ثوب الصنعة ، ومعتاص الكلام : ممتنعه مما تكثر فيه الصنعة فتبعده عن أذهان العامة.