وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن الاشتغال بعلم البديع لم يقف عند حد الكتب التي صنّفت فيه وتميّز الكثير منها بالأصالة والابتكار ولم يقف كذلك عند نظم البديعيات ، هذا الاتجاه الذي ظهر في النصف الثاني من القرن السابع الهجري ثم أخذ الشعراء يتبارون ويفتنون فيه على نحو ما رأينا.
أجل لم يقف الاشتغال بعلم البديع عند هذا الحد أو ذاك وإنما تجاوز ذلك أو انحط عن ذلك إلى نظم فنونه في متون شديدة الإيجاز والتعقيد والإبهام. مثل متن الجوهر المكنون (١) في الثلاثة الفنون ، ومتن ابن الشحنة الحنفي.
حقا قد يكون القصد من وراء هذه المنظومات التعليمية مساعدة الطالب على تذكر الفنون البديعية وحدودها وأقسامها عند الاقتضاء. ولكن أية فائدة يجنيها الطالب من حفظ أسماء ومصطلحات لا علم له بمدلولها ، ولا يستطيع أن يستسيغها أو يتبينها إذا عرضت له في نص من النصوص الأدبية؟
وعلى سبيل المثال هل يفيد الطالب شيئا غير اليأس من البلاغة والنفور منها عند ما يقرأ الأبيات التالية التي أوردها صاحب متن الجوهر المكنون عند كلامه عن المحسنات البديعية المعنوية :
وعدّ من ألقابه المطابقة |
|
تشابه الأطراف والموافقة |
والعكس والتسهيم والمشاكلة |
|
تزواج رجوع أو مقابلة |
تورية تدعي بإيهام لما |
|
أريد معناه البعيد منهما؟ |
على أية حال إن المتون نظما كانت أو نثرا ليست محنة قاصرة على
__________________
(١) صاحب هذا المتن هو عبد الرحمن الأخضري وهو نظم لكتاب «تلخيص المفتاح» للقزويني.