«مصدر» لأن هذه الأشياء التسعة تصدر (١) عنه.
والاشتقاق (٢):
______________________________________________________
(١) قوله : (تصدر عنه) لأن معنى المصدر لغة : موضع يصدر عنه الإبل.
فإن قلت : هذا القول بيان تسمية المصدر مصدرا ؛ لصدور الأشياء التسعة عنه ، وذا لا يمكن إلّا بعد ثبوت كون المصدر أصلا ، فيلزم المصادرة على المطلوب ؛ لأن الدليل حينئذ يصير عين المدعى؟.
قلت : معنى الاستدلال به أنهم جعلوا سبب تسمية المصدر مصدرا ؛ لصدور الأشياء التسعة عنه ، فلو لم يكن المصدر أصلا عندهم لما جعلوا سبب التسمية ذلك.
هذا وكلّ ما ذكره المصنف من الاستدلالات كلام ظاهري ، والتحقيق ما ذكره الفاضل الرضي حيث قال : قال البصريون : كل فرع يصاغ عن أصل ينبغي أن يكون فيه ما في الأصل ، وزيادة هي الغرض من الصوغ ، كالباب من السّاج ، والخاتم من الفضة ، وهذا حال الفعل فيه معنى المصدر مع زيادة أحد الأزمنة التي هي الغرض من وضع الفعل ؛ لأنه كان يحصل من قولك : زيد ضرب مقصوده نسبة الضرب إلى زيد ، لكنهم طلبوا بيان زمان الفعل على وجه آخر فوضعوا الفعل الدال بجوهر حروفه على المصدر ، وبوزنه على الزمان. اه فلاح شرح مراح.
(٢) قوله : (والاشتقاق ... إلخ) نعم لما فرغ من الاستدلال بادر إلى بيان ماهية الاشتقاق ، قبل ذكر متمسكات الكوفيين ، ليتضح المقصود ، لكنه قدم تعريف مطلق الاشتقاق ، على تعريف الاشتقاق المتنازع فيه ، لفائدة نذكرها إن شاء الله تعالى ، فقال : والاشتقاق ... إلخ. اه فلاح.
قوله : (والاشتقاق ... إلخ) اعلم أن الحاجة في معرفة الكلمات المشتقة ماسة إلى معرفة الأمرين شبه الاشتقاق ، وعين الاشتقاق ، فالأول عبارة عن وجدان التناسب بين اللفظين في الحروف الأصليّة ، ولا يشترط بينهما المناسبة المعنوية ، ولو وجد فلا قدح فيه ، نحو هجرع موضوع للشيء الطويل من جرع الموضوع لمكان سهل.
وقول الفقهاء : الوجه من المواجهة ؛ لاشتراكهما في الحروف الأصليّة ، وإلا فلا اشتقاق بينهما ، لأن الوجه مجرد ، والمواجهة مزيد فيه ، ولا يشتق الأول من الثّاني ، بل الثّاني من الأول. وقول النحاة : اللغو مشتق من الإلغاء. وكذا قولهم : العارية من التعاور وغير ذلك.
وأمّا الثّاني ، فهو لغة : من الشق بمعنى ياره كردن وشكافتن ، والمراد استخراج لفظ من لفظ آخر ، واصطلاحا : ما أشار المصنف إليه بقوله : أن تجد بين اللفظين ... إلخ. فقوله : أن تجد بين اللفظين تناسبا بمنزلة الجنس شامل للتناسب في اللفظ والمعنى معا ، والتناسب في اللفظ فقط ، والتناسب في المعنى فقط ، وقوله : في اللفظ بمنزلة الفصل يخرج اللفظين اللذين بينهما مناسبة في المعنى دون اللفظ ، كالقعود والجلوس.