أمثال هذه السيارات وأن يحرم بالتالي الأهلون من وسائل النقل الحديثة!!
أجل من الطبيعي أن تستطيع هذه السيارة السير في شوارع أوروبا المعبدة السليمة وأن تؤدي فوائد جزيلة للشعب ، ولكن الأمر هنا يختلف فالموظفون العثمانيون لا يجشمون أنفسهم للترفيه عن الأهلين وتيسير وسائل العيش لهم بل ولا يكلفون أنفسهم حتى مجرد التفكير في ذلك!!
ومن المعلوم أن هذه السيارة كلفت خزانة الدولة العثمانية كثيرا ولكنها الآن متروكة في هذا المكان المقفر المملوء بالطين والأوحال وإننا لا نعجب في ذلك إذا عرفنا أن الموظفين الترك الشرفاء كانوا يتقاضون رواتبهم من الفوائد التي تدرها من غير أن يفكروا في أمر إصلاحها أو المحافظة عليها وصرف أي مبلغ في هذا الشأن ، إذ إنها لم تكن تكفي رواتبهم هم فكيف يصرفون عليها ولو مبلغا صغيرا!! كما هو حالهم في الأمور العامة الأخرى؟! ومن هنا تستطيع تقدير التسيب الذي يسود حياة هذه البلاد المسكينة.
وعند عبورنا الجسر المقدم الذكر استقبلتنا صحراء واسعة ليس فيها من زرع ولا ضرع اللهم إلّا آثارا لمجاري المياه المندثرة التي كانت تسقي هذه المنطقة الزراعية المهمة. أما الآن فهي ليس أكثر من صحراء قاحلة تشاهد فيها السدود والسكور المخربة المرتفعة والمجاري المندثرة هنا وهناك!!
ويرجع تاريخ هدم هذه السدود والسكور واندثار هذه المجاري إلى أزمان بعيدة إذ إن هردوت المؤرخ القديم المعروف يقول : إن هذه المنطقة كانت تعد من أخصب مناطق إيران. وكذلك أقوال رجال الجغرافية الذين عاشوا في القرن الثاني عشر أيضا. إن ابن جبير يقول : «إن الطريق الذي يصل الحلة ببابل يقع في منطقة زراعية مهمة تدر محاصيل فاخرة كثيرة. وفي هذه المناطق تجد أبنية تتصل الواحدة بالأخرى كما أن مدنا كبيرة متعددة تقع على جوانب هذا الطريق».
وهكذا يبدو أن الجهلة في مدة قليلة حولوا هذه المنطقة الثرية التي كانت تدر كل تلك الثروات الطائلة الخيالية إلى أراضي بور معدومة ليس فيها زرع ولا ضرع!!