وبالخلاصة ما كدنا ننتهي من حديثنا عن ماضي هذه المناطق وما ذكر عنها في التوراة وما قال فيها الأنبياء والمؤرخون القدامى حتى وجدنا أنفسنا قد بلغنا عددا من أكواخ الفقراء القذرة في جوارها خان يستقبل المسافرين للراحة والاستجمام! فهبطنا عنده وتركنا جيادنا وترجلنا ، ولفت نظرنا هناك دكان صغير وضع صاحبه بإزائه عدة سلال من التمر عرضها للبيع كما رأينا على الجانب الآخر من الخان مقهى صغيرا فدخلناه توّا لنستريح وندفع عن أنفسنا ما تحملناه من وعثاء الطريق ، وباحتساء فنجان من القهوة تحركت شهوتنا للطعام وكان أن أسكتنا عصافير جوعنا بما كنا نحمل معنا من دجاج مقلي محمّص لذيذ؟!
وبعد قليل من الاستراحة رأينا عن كثب قافلة تتقدم بتثاقل ، وكانت بضع دواب تحمل أثاثا وبيوتا من الشعر أو خيما على ما أعتقد؟! وفي هذه الأثناء قدم صاحبنا الضابط الذي كنا قد انتظرناه مدة طويلة في الصباح وأقرأنا السلام فدهشنا لقدومه بقدر ما سررنا في تلك الساعة.
كان يرتدي اللباس العسكري الإنكليزي الذي كان يلبسه أيام خدمته في الجيش الهندي ، وكانت على رأسه طاقية حمراء جميلة ذات حاشية بلون أزرق تحف بها من جميع الجوانب ، وكانت هذه الطاقية الغريبة تنتهي من الخلف بعمامة تشبه إلى حد بعيد العمات التي يرتديها الهنود ، التي تتدلى منها عذبات إلى وراء.
وكان صاحبنا هذا يدعى الكولونيل جيرارد (Gerard) وهو من أصل فرنسي پروتستنتي. وكان أهلوه قد نفوا من فرنسا نتيجة إلغاء قانون نانت (Nantee) (١) وهو اليوم يقوم بسياحة حول الأرض ومنها بلاد ما بين النهرين وكما قال لنا إن تأخره كان خارج إرادته ، ولم يكن برغبته وسببه هو أنه قبل يوم كان قد اشترى مهرا لجواد أصيل قرب طيسفون (سلمان باك) وفي أثناء هبوب
__________________
(١) في عهد هنري الرابع سنة ١٥٩٨ منح الپرتستانت بعض الامتيازات ولكنها في سنة ١٦٨٥ ألغيت الواحدة بعد الأخرى وانتهى الأمر بأن أبعد عدد من الپروتستانت إلى خارج فرنسا.