ريح صرصر باردة ووصوله إلى جسر من القوارب العائمة خاف أن يعبره لئلا يسقط في النهر عن مهره الذي كان يبدو شموسا بعض الشيء. لذلك فضّل العودة إلى دار القنصلية ليكري جوادا يأمن جانبه! والواقع أن عبور هذا الجسر ليس بالأمر الهين الخالي من المخاطر والمشاق ، لذا تصف الدواب الواحد بعد الآخر وتجتاز الجسر على هذا الشكل لئلا تتدافع ويحدث ما يكره حدوثه. ويجتاز الذين يعتقدون أحكام القضاء والقدر فقط هذا الجسر بغير حذر ولا خوف ، وفي الوقت الذي كان الكولونيل يحدثنا ما حدث له رأينا عن كثب هبوب غبار سرعان ما انجلى عن قدوم فارسين آخرين يملأ أوجههما الدم وعلى أجسادهما ملابس رثة قذرة ، وهما يحملان على كتفيهما أسلحة عتيقة. والخلاصة أن منظر هذين الفارسين كان يبعث على القرف والاشمئزاز وينفر منه كل راء حتى الشيطان موليا وجهه الأدبار؟!
وقف هذان الفارسان إزاء دكان بائع التمر وأخذا في الحديث مع رجال الأمن الذين كانوا في رفقتنا. ولقد ركبني الهم كثيرا بمجرد أن فكرت في أن هذين الشخصين المزعجين سيكونان في معيتنا بالطريق. ومن الطبيعي أنه لم يكن معنا مبلغ كبير لكي نخاف عليه ، ولكن حتى هذا المبلغ الزهيد الذي نحمله معنا لو سرقاه منا نقع في بلاء عظيم وكرب شديد بعد أن كنا قد ابتعدنا عن المدينة والعمران!؟
وفي هذه الأثناء تقدّم رئيس هؤلاء الرجال منا فقال لي : أرى من المستحسن أن أقدم إليك هذين الفارسين اللذين سيكونان في رفقتكم من الآن فصاعدا؟ .. قلت له على الفور : «أولم يكف وجودكم أنتم للمحافظة علينا حتى يكون معنا هذان الفارسان».
الموضوع الذي ينبغي أن أذكره لك هو أنه بحسب رجاء القنصل قد جعلنا معكم رجالا مقبولي الوجه والهندام منذ خروجكم من المدينة حتى الآن كيلا نخل بجلال منظركم وعظمة موكبكم عند الأهلين ، أما من الآن فصاعدا فلا يكون بمعيتكم إلّا هذان الفارسان اللذان وصلا هذه اللحظة ، أما نحن فانتهت مهمتنا هاهنا اللهم إلّا أن نسلم عليكم السلام الأخير ونيمم وجوهنا