إلى المعسكر في بغداد ، لأنه ليس من الممكن أن يرافقكم أمثالنا من رجال الأمن المتميزين الذين عليهم الملابس الجيدة ولهم الجياد الأصيلة الفارهة في طريق القوافل المتربة هذه. ومن البديهي أيضا أن تنقدونا الحلوان «البقشيش» قبل عودتنا ، لأننا حرقنا بارود الحكومة واتسخت ملابسنا (؟) بغبار الطريق وترابه وندعو أن يكلأكم الله بعنايته ورعايته» وهنا رفع يديه إلى أعلى وقال الجملة الأخيرة بترنيم وتنغيم خاص؟!
ولقد تركنا هؤلاء الرجال بعد أن أخذوا الحلوان «البقشيش» لكي يتخلصوا من التراب والغبار وهجوم الذباب عليهم .. تركونا في حماية هذين الشخصين اللذين يشبهان اللصوص والقراصنة إلى حد بعيد مدّة هذه السفرة التي قد تطول أو تقصر : علينا أن نشركهم في غذائنا وأن نجالسهم ونحادثهم ، وأدهى من كل ذلك أن نعطيهم مقابل ذلك مبلغا من المال؟!
وفحوى القول أننا بدأنا بالحركة وسرنا يوما كاملا في أراض قاحلة ليس فيها إلّا عدّة من المجاري المندثرة المخربة للمياه وسوى بعض القطع من الحجارة والآجر المبعثرة في الطريق وبقايا آثار من المدن القديمة البائدة التي كنا نطويها تحت حوافر جيادنا؟!
وعند حوالي الغروب ظهرت على الأفق بناية كبيرة من الآجر وهي خان كبير شيّده الإيرانيون بجهودهم وفلوسهم فيه بضع حجر واسعة معدّة لاستراحة زوار العتبات المقدسة من الشيعة. وهذا الخان يناظره خانات إيران التي شاهدتها لدرجة كبيرة إذ تحيط بصحنها الحجر من جميع الجوانب التي يتقدم كلّا منها إيوان واسع. والمسافرون عادة ـ عند ما يكون الجو لطيفا ينزلون في هذا الإيوان وعند برودة الطقس يأوون إلى الحجر ويجعلون دوابهم وحيواناتهم الأخرى في الاصطبل المقابل لهم لكي تكون على مرأى منهم على الدوام مخافة سرقتها!
ولما كان الجو باردا لم نر بدّا من اختيار إحدى تلك الحجر للنزول فيها ولكننا ما كدنا نترجل عن جيادنا حتى علت إلى أنوفنا عفونة أوشكت أن تزكمها ، ولفتت نظري أشياء مركومة بعضها فوق بعض فتقدمت منها أتفحصها وما كدت أمد يدي حتى ارتدت إليّ كأنه قد مسها تيار كهربائي واضطربت أشد