ومثريهم وجماعة من الشيعة الإيرانيين ، وموظفي الباب العالي. والطائفة الأخيرة تجدهم في أي بلد تركي وكأنهم السرطان الذي يفتك بجسم تلك البلدان. ويضاف إلى ذلك أن في هذه المدينة فئات أخرى كالأعراب الذين يقطنون بيوت الشعر والخيم ، والزوار الذين يكثر عددهم في مواسم خاصة عند ما يقدمون لزيارة بعض المواضع والمزارات الواقعة بجوارها.
ومما لحظته أن دور الحلة كلها قد شيدت بمواد أبنية قديمة حتى أنني شهدت بعض الآجر وقد نقش عليه اسم نابو كدونسر «بختنصر» وأنهم قد أفادوا في إقامة تلك الأبنية من القار بدل الجص على عادة البابليين القدماء. وتمتاز منازل الحلة كما هو الحال في بغداد بأنها مرتفعة الجدران ليس لها من الخارج منافذ أو شبابيك البتة كما أنها تحوي ميزات وخصائص العمارة الشرقية. وتملأ حدائق وبساتين الحلة غابات النخل الكثيفة وأشجار الموز الجميلة. ومن حسن الحظ أن هذه الأشجار الكبيرة السامقة وجدت هنا لتقلل من بشاعة منظر دور هذه المدينة التي شيدت كلها على نسق واحد وطرز غير جميلة ، ولا سيما أننا من سطح منزلنا نستطيع أن نرى عن بعد مناظر رائعة لهذه الغابات تبعث على البهجة والانشراح ، كما نرى ضفتي النهر التي غطتهما النخيل من الجانبين بوضوح تام. ونشاهد في النهر عدة زوارق في حركة متصلة وجماعة من الفرسان الذين يغسلون جيادهم بماء شط الفرات ومن المزارعين الكسالى الذين لم يريدوا أن يعبروا إلى الجانب الآخر بواسطة الجسر ، لذلك تعروا من ملابسهم ووضعوها فوق قربة نفخوها بالهواء وأخذوا في شق طريقهم سباحة وأمامهم القربة التي تحمل الملابس. والواقع أن هذا العمل وراثي وصل إليهم من «نياكانشان»؟!
لم نر في مدينة الحلة بناية مهمة تلفت النظر قد شيدت في العصر الإسلامي البتة ، اللهم إلّا مسجدا صغيرا شيدوه في ذلك الوقت في الطريق الذي يصلها بمدينة كربلاء ، وهذا المسجد يعرف بمشهد الشمس و «مسجد علي» وتذكر الروايات المشهورة أن أمير المؤمنين عليا قد أشار إلى الشمس لتقف في هذا المكان لإكمال نصره في إحدى حروبه ..