قال العلّامة الطباطبائي ـ قدسسره ـ في ذيل قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (١) : «هذه هي الحجّة الثانية على المعاد ، وتقريرها : أنّ للإنسان كسائر الأنواع كمالا بالضرورة ، وكمال الإنسان هو خروجه في جانبي العلم والعمل من القوّة إلى الفعل ، بأن يعتقد الاعتقادات الحقّة ، ويعمل الأعمال الصالحة ، اللتين يهديه إليهما فطرته الصحيحة ، وهما الإيمان بالحقّ والعمل الصالح ، اللذين بهما يصلح المجتمع الانساني الذي في الارض ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم المتقون الكاملون من الإنسان والمفسدون في الأرض بفساد اعتقادهم وعملهم ، وهم الفجّار هم الناقصون الخاسرون في إنسانيّتهم حقيقة ، ومقتضى هذا الكمال والنقص ، أن يكون بإزاء الكمال حياة سعيدة وعيش طيّب ، وبإزاء خلافه خلاف ذلك.
ومن المعلوم أنّ هذه الحياة الدنيا التي يشتركان فيها هي تحت سيطرة الأسباب والعوامل الماديّة ونسبتها إلى الكامل والناقص والمؤمن والكافر على السواء ، فمن أجاد العمل ووافقته الأسباب الماديّة فاز بطيب العيش ومن كان على خلاف ذلك لزمه الشقاء وضنك المعيشة. فلو كانت الحياة مقصورة على هذه الحياة الدنيويّة ، التي نسبتها إلى الفريقين على السواء ولم تكن حياة تختص بكلّ منهما ، وتناسب حاله ، كان ذلك منافيا للعناية الإلهيّة ، بإيصال كلّ ذي حقّ حقّه ، وإعطاء المقتضيات ما تقتضيه ، وإن شئت فقل تسوية بين الفريقين وإلغاء ما يقتضيه صلاح هذا وفساد ذلك خلاف عدله تعالى» (٢).
ومن الآيات المذكورة قوله تعالى : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
__________________
(١) ص : ٢٨.
(٢) تفسير الميزان : ج ١٧ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧.