القومِ نافجاً حِضْنَيهِ (١) بين نَثِيْلِهِ (٢) ومُعْتَلَفِهِ (٣) ، وأسرعَ معَه بنو أبيه يَخضمونَ مالَ اللّهِ خَضْمَ الإبِلِ نِبْتةَ الرّبيعِ ، إِلى أن نزَتْ بهِ بِطْنَتُه وأجهزَ عليهِ عَمَلُه ، فما راعَني مِنَ النّاسِ إِلا وهم رسل إِليَّ كعُرْفِ الضبع يَسألونَني أن أُبايعَهم ، وانثالوا عَلَيَّ حتّى لقد وُطئ الحَسَنانِ وشقَّ عِطْفَايَ (٤) ، فلمّاَ نَهَضتُ بالأمرِ نَكَثَتْ طائفةٌ ومَرَقَتْ أُخرى وقَسَطَ آخَرونَ ، كأنَّهم لم يَسمعوا الله تعالى يقولُ : ( تِلْكَ الدَّارُ اْلأخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لا يُريْدُوْنَ عُلوّاً في الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَقِيْنَ ) (٥) بلى واللّهِ ، لقد سَمِعوها ووَعَوْها ، ولكنْ حَلِيَتْ دُنياهم في أعيُنِهم ورَاقَهم زِبْرِجُها ، أمَا والّذي فَلَقَ الحبّةَ وبَرَأ النَسَمةَ ، لولا حُضورُ النّاصِرِ (٦) ، ولزُومُ الحجّةِ بوجودِ النّاصِر ، وما أخَذَ اللّه على أولياءِ الأمرِ ألآَ يَقِرُوا على كِظَةِ ظالمِ أو سَغَب مظلومٍ ، لأَلقيتُ حَبْلَها على غارِبها ، ولَسَقَيْتُ آخِرَها بكأس أوَّلِها ، ولالفَوْا دُنياهم أزهدَ عندي من عَفْطَةِ عَنَزٍ ».
قال : وقامَ إِليه رجلٌ من أهل السواد فناوَلَه كتاباً ، فقَطَعَ كلامَه.
قالَ ابن عبّاس : فما أسِفْتُ على شيءٍ ، ولا تَفجَّعتُ كتفجُعي على ما فاتَني من كلامِ أًميرِالمؤمنينَ عليهالسلام ، فلما فَرَغَ من قراءةِ
ــــــــــــــــــ
(١) نافجاً حضنيه : كناية عن التكبروالخيلاء. « لسان العرب ـ نفج ـ ٢ : ٣٨١ ».
(٢) النثيل : الروث. « الصحاح ـ نثل ـ ٥ : ١٨٢٥ ».
(٣) المعتلف : مكان العلف.
(٤) في « م » وهامش « ش » : عطافي.
(٥) القصص ٢٨ : ٨٣.
(٦) في « م » وهامش « ش » : الحاضر.