فصل
وهذه الغَزاةُ أيضاً ممّا خَصَّ اللّه تعالى فيها أميرَ المؤمنين عليهالسلام بما انفرد به من كافّة الناس ، وكان الفتحُ فيها على يده ، وقَتْلِ من قُتِلَ من خَثْعم به ، دون سواه ، وحَصَل له من المناجاة التي أضافها رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله إلى اللّه ـ عزّ اسمه ـ ما ظَهَربه من فضله وخصوصيّته من الله عزّوجلّ بما بان به من كافّة الخلق ، وكان من عدوّه فيها ما دَلّ على باطنه وكشَفَ اللّهُ تعالى به عن حقيقة سرِه وضَميره ، وفي ذلك عِبْره لأولي الألباب.
فصل
ثم كانت غَزاة تَبوك ، فاوحى اللهُ تبارك وتعالى اسمه إلى نبيه صلّى اللة عليه واله : أن يَسيرَ إليها بنفسه ، ويستنفِرَ الناسَ للخروج معه ، وأعلمه أنّه لا يحتاجُ فيها إلى حَرْب ، ولا يمنى بقتال عدُوٍّ ، وأنّ الأمورَ تنقادُ له بغير سَيف ، وتَعَبَّدهَ بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم ، ليتميّزوا بذلك وتظَهرَ سرائرهُم.
فاستنفرهم النبي صلىاللهعليهوآله إلى بِلاد الروم ، وقد أيْنَعَتْ ثمارهم واشتدَّ القَيْظُ عليهم ، فابطأ أكثرهُم عن طاعته ، رغبةً في العاجل ، وحِرصاً على المعيشة وإصلاحِها ، وخوفاً من شدّة القَيْظ