مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن لم غيبة يحار فيها الجاهلون ، ويهلك فيها المبطلون ، ويكذّب فيها الوقّاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة (١) .
خامساً : تهيئة الأرضية لعصر الغيبة : بمعنى أنه كان يهيء الناس لمرحلة غيبة إمامهم من بعده ، ومن الأعمال التي قام بها سلام الله عليه تحقيقاً لهذا الغرض :
أ ـ الاحتجاب : استخدم الإمام العسكري عليهالسلام أُسلوب الاحتجاب عن الناس بصورة ملحوظة تمهيداً وإعداداً لذهنية الناس عامة والشيعة خاصة لقبول مرحلة الغيبة ، قال المسعودي : « وروي أن أبا الحسن الهادي عليهالسلام احتجب عن كثير من الشيعة إلّا عن عدد يسير من خواصة أصحابه فلمّا أفضى الأمر إلى أبي محمد عليهالسلام ، كان يكلّم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلّا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان ، وأنّ ذلك إنما كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان ، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة ، وتجري العادة بالإحتجاب والإستتار » (٢) .
ب ـ إرجاع الشيعة إلى الوكلاء : كما عيّن الامام العسكري نواباً من قبله ، داعماً إياهم بالتأييد والتوثيق ، كي يكونوا رابطاً بينه وبين شيعته لحلّ مشكلاتهم الدينية والدنيوية وهذا مما يظهر من كتابه إلى أحمد بن إسحاق الأشعاري مؤيداً نائبه الثقة المأمون عثمان بن سعيد العمري قائلاً : هذا أبو عمر والثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّىٰ إليكم فعنّي يؤدي ، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون (٣) . ويؤيّد ما ذكرناه ما نقله
______________________
(١) كمال الدين ٢ : ٤٠٩ .
(٢) اثبات الوصية : ٢٦٢ .
(٣) غيبة الطوسي : ٢١٥ .