محدود الإدراك ، نسبيّ المعارف ، بينما «النقل» هو نبأ ذي العلم المطلق والمحيط ، سبحانه وتعالى ، ففيه ما لا يستقلّ العقل بإدراكه ، وهذه «العقلانيّة المؤمنة» ـ بعد إضافتها «الوحي» إلى «الكون» في مصادر المعرفة ـ تجعل سبل المعرفة أربع هدايات هي : العقل والنقل والتجربة الحسّيّة والوجدان .. فلا تقف بسبل المعرفة فقط عند العقل والتجربة ـ كما صنعت عقلانيّة التنوير الغربي ـ الوضعيّة والمادّيّة ، فعن أيّ عقل وعن أيّة عقلانيّة يجري الحديث؟ عقلانيّة استبعاد «الشرع» و «لا سلطان على العقل إلاّ للعقل»؟ أم عقلانيّة المؤاخاة بين الشريعة والحكمة ، بتعبير ابن رشد؟
يقول ناصيف نصّار : لا تحمل عبارة العقلانيّة العربيّة أيّ معنى يفصلها عن المعنى الشامل للعقلانيّة في التاريخ العالمي ، فالعقل واحد عند بني الإنسان على اختلاف أفرادهم وجماعاتهم ومجتمعاتهم وحضاراتهم وتواريخهم ، ولا يوجد احتكار لطريقة تعامل مع العقل يخصّ بعضهم دون بعضهم الآخر .. فإذا حصل تمايز بين الشعوب والمجتمعات في موضوع العقلانيّة فإنّه نتيجة عوامل وأوضاع ثقافيّة اجتماعيّة تاريخيّة قابلة للتغيير في إطار التفاعل العالمي الذي يضمّ بني الإنسان جميعاً .. فالعقلانيّة العربيّة ليست أكثر من العقلانيّة في الثقافة العربيّة ، كما أنّ العقلانيّة الإغريقيّة ليست أكثر من العقلانيّة في الثقافة الإغريقيّة ...
والثقافة هنا هي الثقافة بالمعنى السوسيولوجي الواسع ، الذي يحدّد