والاقتصاديّات والتاريخيّات ، ومتّصفة بالتواصل والتراكم النوعي عبر ندوات ومراكز أبحاث وهيئات ثقافيّة متعاونة .. إلاّ أنّ الإسهام الأساسي فيه يبقى للفلسفة والفلاسفة .. فالسؤال عن ماهيّة العقل وعلاقته بالوجود ومنزلته ووظيفته في الحياة الإنسانيّة كان ولا يزال سؤالاً فلسفيّاً بامتياز .. إنّه سؤال مطروح على الفيلسوف اليوم ، كما كان مطروحاً على الفيلسوف بالأمس .. ولذلك ينبغي التركيز في دراسة العقلانيّة العربيّة لتطويرها على المستوى الفلسفي فيها ..
يقول برهان غليون : العقلانيّة العربيّة تجعل من العلم أساساً لصحّة معارفنا بدل أن تجعل من الانخراط في التجربة ـ أي من معاينة الواقع القائم ـ وسيلة لمراجعة النظم العرفيّة والتحقّق منها وتثويرها .. أي أنّها اكتفت بالاستهلاك العلمي بدل أن تمارس الفعل العلمي الحقيقي .. وما كان يمكنها أن تفعل العكس طالما أنّها حدّدت منذ البدء موقفها من الواقع الذي تعيشه ، باعتباره واقعاً وهميّاً لا معقولاً ولا مقبولاً ورفضت التفكير فيه والانطلاق منه .. وهكذا حدّدت طريقة نظرنا وتعاملنا معه ، أي إلغاءه المسبق من الذهن قبل إلغائه من الوجود ..
وبهذا المعنى نحن نقول : إنّ العقلانيّة العربيّة التي تحوّلت إلى علمويّة ، أي ايديولوجيّة تبشير بالعلم وامتداح له لا إلى منهج لمقاربة الواقع ، كانت منطلقاً نظريّاً لتدمير الواقع نفسه بهدف إعادة صياغته بما يتلاءم مع المفهوم الذي تملكه عن الواقع «الحقيقي» : واقع الحداثة ..