وبذلك أصبح المفهوم هو الذي يتحكّم بالواقع ويخضعه له بدل أن يخضع له ويتطوّر على ضوئه .. وهذا هو مصدر الاستلاب النظري وفقدان التجربة العلميّة والنظر العلمي ..
بمعنى آخر : أصبحت العلمويّة أو «الاستقواء» بالعلم هي قاعدة تحطيم المسعى العلمي الحقيقي واستبعاده .. وأصبح الموقف السائد هو : العلم موجود ، إنّه قائم هناك وجاهز ومتطوّر ، وليس علينا إلاّ أن نأتي به ، أن ندخله عندنا ، أن نفسح له المجال ونرعاه .. وبذلك حرمنا أنفسنا من كلّ قدرة على مناقشته أو الإضافة إليه ..
يقول محمّد أرگون : يمكننا الآن أن نعدّد الخصائص التالية للعقلانيّة المركزيّة الخاصّة بالمجال العربي ـ الإسلامي :
١ ـ كلّ فعّاليّة فكريّة تتحكّم بها الصورة الدوغمائيّة للعقل القادر على السير والتوصّل نحو الكائن الأعظم (الله) وبالتالي فهو يتناغم أو ينسجم مع الحقّ ـ والخير ـ والجمال الدائم أو الأبدي .. هذا يعني أنّ الباعث الأقصى لكلّ تفكير ليس علميّاً بالمعنى الحديث للكلمة ، وإنّما جماليّاً ـ أخلاقيّاً ...
٢ ـ إنّ العقل يستمدّ أنواره من القوّة العاقلة ، وهي مخلوقة من قبل الله أو ممتلكة عن طريق الأفكار المثلى .. وتكمن وظيفة العقل في التعرّف على الكائن الأعظم ـ الواحد ـ الحق ـ المسبّب الأوّل ـ الخالق .. وهذا ما يفسّر لنا سبب التداخل والتوافق النهائي بين الميتافيزيقيا واللاهوت