بالوقف ، ليتعلّق بـ«غافر غيرك». وبالوصل ، ليتعلّقّ بـ«ولا أخاف على نفسي إلّا إيّاك». والأحبّ عندي على الأخير الوقف على غيرك ثمّ الإبتداء بـ«حاشاك».
وهو على الأوّل : إمّا بمعنى سبحانك ، أو بمعنى إلّا أنت ، تأكيداً للمعنى الذي أفاده غيرك ، أو للتنزيه والتقديس عن إمكان أن يتصوّر للذنوب غافر غيره.
وعلى الأخير للتنزيه والتقديس عن أن يكون سبحانه ، بحيث لا يخاف عنده على نفسه إلّا إيّاه.
فأمّا كيف يتصحّح ذلك ، وأنّ من درجات العرفان أن لا يخشى العارف إلّا ربّه فمن سبل ثلاثة :
الأوّل : أنّه جلّ سلطانه إنّما انتقامه من تمام الحكمة ، وعقابه من سعة الرحمة ، كما قال عليه السلام في دعائه إذا استقال من ذنوبه : أنت الذي تسعى رحمته أمام غضبه». فالعقوبات الإلهيّة كتأدبيات يتولّاها المؤدّب الرؤوف الرحيم ، وإيلامات يأمر بها المعالج العطوف الحكيم. وإنّما الأسماء الحسنى القهريّة للرحمن سبحانه وتعالى ، كالقابض والخافض والمذلّ والضارّ من حيث أسماؤه الحسنى اللطيفة ، كالباسط والرافع والمعزّ والنافع.
وإلى هذا نظر من قال من أهل التحصيل والتحقيق أنّه لا يسوغ للذاكرين الله سبحانه أن يفردوا شيئاً من أسمائه القهريّة عن مقابلة أسمائه الرحمة دون العكس.
الثاني : أنّه لمّا كانت غاية شدّة الكمال مستوجبة تعانق الأسماء المتقابلة الكماليّة على الوجه الأتمّ الأكمل ، كان كلّ من الأسماء الحسنى المتقابلة الإلهيّة ، مقتضاه في شدّة الكمال أن يكون بحيث كأنّه لا يستصحّ إطلاق مقابلة أصلاً.
فملاحظة الغفور الرحيم في مقام طلب المغفرة والرحمة ، كأنّها تصدّ العبد بحسب ما يستوجبه شدّة كماليّة الإسم عن استشعار ما يقابله من الأسماء المقدّسة ، وهو شديد العقاب. وقد لاحظ من ذهب من الأصحاب إلى أنّه لا يسوغ للذاكرين افراد شيء من الإسمين المتقابلين عن مقابلة ، بل تحقيق بحسن الأدب القران بين كلّ متقابلين من الأسماء المقدّسة.