واعتباراً بحسب ما أنّها مزرع المزاد للنفس في سبيل الإستكمال ومتجر الإسترباح للعقل في طريق الكمال ، منها يتزوّد أولياء الله ، وفيها يتأهّب حزب الحقّ للقاء الله. وهي بهذا الإعتبار ولهذا الإمتياز لحاة دار القرار يستحبّ استبقاؤها ويطلب طول البقاء فيها ، وإليه الإشارة في حديث أمير المؤمنين عليه السلام : بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها يدرك بها ما فات ويحيي بها ما مات.
وفي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه عاد جابر (رضي الله تعالى عنه) في مرضه ، فسأله عن حاله؟ فقال : حالي أنّ الموت أحبّ إليّ من الحياة ، والمرض من الصحّة ، والفقر من الغنى.
فقال عليه السلام : ولكن حالنا أهل البيت على خلاف ذلك.
قال : وكيف ذاك؟ فقال عليه السلام : إن أراد الله لنا الموت كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا الحياة كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا المرض كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا الغنى كان أحبّ إلينا.
فقبّل جابر رأسه أو يده ، وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وآله إنّك باقر تبقر العلم بقراً.
(٤) قوله عليه السلام : حتّى لا نؤمّل استتمام ساعة ،
إلى قوله : ولا لحوق قدم بقدم.
إن قلت : أليس سبيل البلاغة التدرّج من الأضعف في إفادة المعنى المروم إلى الأقوى في ذلك؟ فكان الأحقّ أن يقال : حتّى لا نؤمّل استيفاء يوم بعد يوم ، ولا استتمام ساعة بعد ساعة ، ولا لحوق قدم بقدم ، ولا اتّصال نفس بنفس.
قلت : وفيه وجهان :
الأوّل : أن مغزى الكلام قطع طول الأمل في اليقضة وعند النوم ، وفي حالة القعود وفي حالة المشي. وبالجملة في الحالات كلّها على الإستيعاب ، فلا نؤمّل في اليقظة استتمام ساعة