ما لم يمت ، فإذا مات فلا يقال له : مائت بل إنّما يقال له ميّت. وقد نقل عن قدماء حكماء الإسلام في تحديد حقيقة الإنسان أنّه هو الحيّ الناطق المائت ، وأنّ الموت متمّم حقيقة الإنسان.
قال الجوهري في الصحاح : قال الغرّاء لمن لم يمت أنّه مائت عن قليل وميت ، ولا يقولون لمن مات هذا مائت. (١)
وفي أساس البلاغة : فلان مائت من الغمّ ويموت من الحسد. (٢)
نعم يقال : أيضاً موت مائت أي : شديد ، كما يقال : ليل لائل. وسيف سائف ، فليعلم.
(٣) قوله عليه السلام : واكفنا طول الأمد وقصّره عنّا
إن قلت : قد تكرّر جدّاً في الكتاب الكريم ، وفي السنّة الشريفة ، وفي أحاديث آل بيت الوحي والعصمة حثّ المؤمن على استكراه الحياة الدنيا والإعراض عنها ، والإشتياق إلى الموت وتمنّيه ، واستحقار دار النضرة البائدة ، واستعظام دار البهجة الخالدة. وقد ورد أيضاً في أحاديثهم (صلوات الله عليهم) النهي عن طلب قطع الحياة يوشك الممات ، وفي أدعيتهم المأثورة تأميل العمر وتأخير الأجل ، فما وجه التوفيق بين ذا وذا؟
قلت : وجه التوفيق وسبيل التحقيق أنّ لهذه الحياة الدنيا إعتبارين :
إعتباراً لها بما هي هي ، وبما أنّها تقلب في أرض الطبيعة الفاسقة المظلم ليلتها ، وإقامة في قرية الهيولى السافلة الظالم أهلها ، فهي بهذا الإعتبار هي المحثوث على مقتها ، وعلى انصراف القلب عن الركون إليها ، وإلى نضرتها الذاهبة ولذّاتها الكاذبة وتعتها اللازبة ، والمحقوقة بتوقان النفس إلى رفضها والإشتياق إلى الموت الذي هو سبيل أرض الحياة القارّة الحقيقيّة وطريق دار البهجة الحقّة الإلهيّة.
__________________
١. الصحاح : ١ / ٢٦٧.
٢. أساس البلاغة : ص ٦٠٧. وفيه : مات من الغمّ ...