(٤) قوله عليه السلام : إمحاق
الهمزة فيه همزة الإنفعال ، أو باب الإفتعال ، لا همزة الإفعال ، وهي التي إنّما احتيج إليها من جهة الإدغام في فاء الفعل ، فهو انفعال أو افتعال على مطاوع محقه يمحقه محاقاً (١) فانمحق وامتحق ، فاُبدلت النون أو التاء ميماً واُدغمت إحدى الميمين في الاُخرى كالإمحاء انفعال أو افتعال على مطاوع محاه يمحوه محواً فانمحى أو امتحى.
وليس شيء منهما افعالاً ؛ لأنّ الإفعال لا يبدّل معنى الأصل لمجرّد أصلاً ، بل يؤكّده ويخفّفه ويجعله متأكّداً متبالغاً ، وإنّما التشديد فيه للمبالغة والإخفاء في الأمر ، لا للنقل إلى باب يفيد تبدّلاً وتغيّراً في المعنى في الإفعال ليس يجعل المتعدّي لازماً ، ولا اللازم متعدّياً.
فإذن الإفعال من محقه ومحاه فهو ممحوق وممحوّ ، أمحقه وأمحاه فهو ممحق وممحى بالفتح على صيغة المفعول ، لا أمحق وأمحى فهو ممحق وممحق على صيغ الفاعل ، على شاكلة اللزوم دون التعدية.
ومن هذا الباب عندهم الإدفان ، فإنّه أيضاً : إمّا إفتعال ، أو إنفعال من الدفن لا إفعال منه للتبالغ في معناه ؛ (٢) لأنّ متعدّياً يقال : دفنه فهو مدفون ، فالإفعال فيه أدفنه فهو مدفن بالفتح ، لا أدفن فهو مدفن بالكسر. فليعلم وليتحقّق.
وللفقهاء أبحاث في أنّ الإدفان هل هو عيب كالاباق أو لا؟
قال المطرّزي في كتابيه المعرب والمغرب : شريح كان لا يرد العبد من الإدفان ويرد من الاباق البات ، وهو افتعال من الدفن لا إفعال ، وذلك أن يروغ (٣) من مواليه اليوم واليومين (٤) ولا يغيب عن المصر كأنّه يدفن نفسه في أبيات المصر خوفاً من عقوبة ذنب فعله ، وبعد دفون عادته ذلك. انتهى كلامه. (٥)
قلت : الصواب ما قلناه إنّ الإدفان يحتمل الإنفعال والإفتعال ، كالامحاء والإمحاق ، نعم ليس هو إفعالاً كما قاله ، فليعرف.
__________________
١. في «س» : محقّاً.
٢. في «س» : للتتابع.
٣. في «س» نروع.
٤. في المصدر : يوماً ويومين.
٥. المغرب : ١ / ١٨١ ـ ١٨٢.