قلت : وهي بالمعنى الثاني يستعمل بـ«من» ، كما في قوله عليه السلام «من فضله».
قال ابن فارس في مجمل اللغة : يقال : أفدت غيري أي : علمته ، وأفدت من غيري أي : تعلّمت منه. وقال : الفائدة : استحداث المال والخبر ، وقد فادت له فائدة إذا حدث له مال. يقال : أفدت إذا استفدت ، وأفدت إذا أفدت غيرك. ويقال : أفدت غيري وأفدت من غيري. (١) انتهى قوله.
وقال علّامة زمخشر في أساس البلاغة : أفدت منه خيراً استفدته منه ، وفادت له من عندنا فائدة أي : حصلت. (٢) انتهى كلامه.
وكلام الجوهري في الصحاح (٣) أيضاً مفاده ذلك ، ولكن يلتبس مغزاه على غير المحصّل.
وبالجملة قوله عليه السلام : «لم نفدها» بضمّ النون وكسر الفاء واسكان الدال ، على ما هو المتواتر المضبوط في جميع النسخ على صيغة المعلوم المجزوم بـ«لم» ، من باب الإفعال ، بمعنى الإستفادة لمكان الإستعمال بـ«من» أي : لم نستفدها إلّا من فضله ، على ما قد أفدناه وأوضحناه مبيّناً مفصّلاً.
وربّما يرى في بعض النسخ على الهامش «لم نفدها» مضبوط الإعراب بضمّ النون وإسكان الفاء وفتح الدال ، مرقوماً عليه رقم (خ). ولم يبلغنا ذلك فيما روّينا وروينا عن المشيخة ، ولا هو وارد فيما رويناه من مشايخنا أصلاً.
وإذا صحّت النسخة ، فالصيغة على البناء للمجهول من الفداء والفدية. على الحذف والإيصال. أي : على التوبة التي لم نفد بها من عذاب الله إلّا من فضله ، ولم تكن فدية لنا من المعاصي والآثام ، وفداءً لأنفسنا وأرواحنا من الهلاك في دار الحياة الأبديّة إلّا من رحمته.
ثمّ إنّ ختالة الجاهلين (أخزاهم الله تعالى) حيث لا يستطيعون إلى المعرفة سبيلاً يحرّفون الصيغة ، ويغيّرون إعرابها ، ويبدّلون بناءها ، فيضمّون النون ويفتحون الفاء ، على
__________________
١. مجمل اللغة : ٣ / ٧٠٨ ـ ٧٠٩.
٢. أساس البلاغة : ٤٨٦.
٣. الصحاح : ١ / ٥١٨.