تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ١١ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تفسير التّحرير والتّنوير

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

والباء للتعدية لا للسببية ، فتعدية فعل (يؤمنون) إلى ضمير القرآن من باب إضافة الحكم إلى الأعيان وإرادة أوصافها مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] ، أي يؤمنون بما وصف به القرآن من أنه من عند الله.

وحاصل معنى الآية وارتباطها بما قبلها (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود : ١٤] فإن الذين يؤمنون به هم الذين كانوا على بيّنة من ربّهم مؤيّدة بشاهد من ربهم ومعضودة بكتاب موسى ـ عليه‌السلام ـ من قبل بيّنتهم.

وقريب من معنى الآية قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) [الأحقاف : ١٠] فاستقام تفسير الآية تمام الاستقامة ، وأنت لا يعوزك تركيب الوجوه التي تأول بها المفسرون ممّا يخالف ما ذكرناه كلا أو بعضا فبصرك فيها حديد ، وبيدك لفتح مغالقها مقاليد.

وجملة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) عطف على جملة (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) لأنه لمّا حرض أهل مكة على الإسلام بقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[هود : ١٤] ، وأراهم القدوة بقوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) ، عاد فحذر من الكفر بالقرآن فقال : وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) ، وأعرض عما تبين له من بيّنة ربه وشواهد رسله فالنّار موعده.

والأحزاب : هم جماعات الأمم الذين يجمعهم أمر يجتمعون عليه ، فالمشركون حزب ، واليهود حزب ، والنصارى حزب ، قال تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ) [ص : ١٢ ، ١٣].

والباء في (يَكْفُرْ بِهِ) كالباء في (يُؤْمِنُونَ بِهِ).

والموعد : ظرف للوعد من مكان أو زمان. وأطلق هنا على المصير الصائر إليه لأن شأن المكان المعيّن لعمل أن يعين به بوعد سابق.

(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)

تفريع على جملة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والنهي مستعمل كناية تعريضية بالكافرين بالقرآن لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه ونقصه ، فمن لوازمه ذم المتلبس بالمنهي عنه. ولما كان المخاطب غير مظنة للتلبس بالمنهي عنه فيطلب منه تركه ويكون النهي طلب تحصيل الحاصل ، تعيّن أن يكون النهي