وذكر إيتائه الزبور هو محل التعريض للمشركين بأن المسلمين سيرثون أرضهم وينتصرون عليهم لأن ذلك مكتوب في الزبور كما تقدم آنفا. وقد أوتي داود الزبور ولم يؤت أحد من أنبياء بني إسرائيل كتابا بعد موسى ـ عليهالسلام ـ.
وذكر داود تقدم في سورة الأنعام وفي آخر سورة النساء.
وأما الزبور فذكر عند قوله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) في آخر سورة النساء [١٦٣].
والزبور : اسم لمجموع أقوال داود ـ عليهالسلام ـ التي بعضها مما أوحاه إليه وبعضها مما ألهمه من دعوات ومناجاة وهو المعروف اليوم بكتاب المزامير من كتب العهد القديم.
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦))
لم أر لهذه الآية تفسيرا ينثلج له الصدر ، والحيرة بادية على أقوال المفسرين في معناها وانتظام موقعها مع سابقها ، ولا حاجة إلى استقراء كلماتهم. ومرجعها إلى طريقتين في محمل (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) إحداهما في «تفسير الطبري» وابن عطية عن ابن مسعود والحسن. وثانيتهما في «تفسير القرطبي» والفخر غير معزوة لقائل.
والذي أرى في تفسيرها أن جملة (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) إلى (تَحْوِيلاً) معترضة بين جملة (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ) النبيئين [الإسراء : ٥٥] وجملة (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) [الإسراء : ٥٧]. وذلك أنه لما جرى ذكر الأفضلين من الأنبياء في أثناء آية الرد على المشركين مقالتهم في اصطفاء محمد صلىاللهعليهوسلم للرسالة واصطفاء أتباعه لولايته ودينه ، وهي آية (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الإسراء : ٥٥] إلى آخرها ، جاءت المناسبة لرد مقالة أخرى من مقالاتهم الباطلة وهي اعتذارهم عن عبادة الأصنام بأنهم ما يعبدونهم إلا ليقربوهم إلى الله زلفى ، فجعلوهم عبادا مقربين ووسائل لهم إلى الله ، فلما جرى ذكر المقربين حقا انتهزت مناسبة ذكرهم لتكون مخلصا إلى إبطال ما ادعوه من وسيلة أصنامهم على عادة إرشاد القرآن من اغتنام مناسبات الموعظة ، وذلك من أسلوب الخطباء. فهذه الآية متصلة المعنى بآية (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٢]. فبعد أن أبطل أن يكون مع الله آلهة ببرهان العقل عاد