تكون من كلام الله تعالى معترضة بين اسمي الموصول ، وعلى كل فهي تعليل لسؤال صرف عذابها عنهم.
والغرام : الهلاك الملحّ الدائم ، وغلب إطلاقه على الشر المستمر.
وجملة (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) يجوز أن تكون حكاية لكلام القائلين فتكون تعليلا ثانيا مؤكّدا لتعليلهم الأول ، وأن تكون من جانب الله تعالى دون التي قبلها فتكون تأييدا لتعليل القائلين. وأن تكون من كلام الله مع التي قبلها فتكون تكريرا للاعتراض.
والمستقرّ : مكان الاستقرار. والاستقرار : قوة القرار. والمقام : اسم مكان الإقامة ، أي ساءت موضعا لمن يستقر فيها بدون إقامة مثل عصاة أهل الأديان ولمن يقيم فيها من المكذبين للرسل المبعوثين إليهم.
(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧))
أفاد قوله (إِذا أَنْفَقُوا) أن الإنفاق من خصالهم فكأنه قال : والذين ينفقون وإذا أنفقوا إلخ. وأريد بالإنفاق هنا الإنفاق غير الواجب وذلك إنفاق المرء على أهل بيته وأصحابه لأن الإنفاق الواجب لا يذمّ الإسراف فيه ، والإنفاق الحرام لا يحمد مطلقا بله أن يذم الإقتار فيه على أن في قوله (إِذا أَنْفَقُوا) إشعارا بأنهم اختاروا أن ينفقوا ولم يكن واجبا عليهم.
والإسراف : تجاوز الحد الذي يقتضيه الإنفاق بحسب حال المنفق وحال المنفق عليه. وتقدم معنى الإسراف في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) في سورة النساء [٦] ، وقوله: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) في سورة الأنعام [١٤١].
والإقتار عكسه ، وكان أهل الجاهلية يسرفون في النفقة في اللذات ويغلون السباء في الخمر ويتممون الأيسار في الميسر. وأقوالهم في ذلك كثيرة في أشعارهم وهي في
معلّقة طرفة وفي معلقة لبيد وفي ميمية النابغة ، ويفتخرون بإتلاف المال ليتحدث العظماء عنهم بذلك ، قال الشاعر مادحا :
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته |
|
تهلّل واهتز اهتزاز المهند |
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ولا يقتروا بضم التحتية وكسر الفوقية من الإقتار وهو مرادف التقتير. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بفتح التحتية وكسر الفوقية من قتر