(يَسْبَحُونَ) ، فبطل أن تكون أجرام الكواكب ملتصقة بأفلاكها ولزم من كونها سابحة أن طرائق سيرها دوائر وهمية لأن السبح هنا سبح في الهواء لا في الماء ، والهواء لا تخطط فيه الخطوط ولا الأخاديد.
وجيء بضمير (يَسْبَحُونَ) ضمير جمع مع أن المتقدم ذكره شيئان هما الشمس والقمر لأن المراد إفادة تعميم هذا الحكم للشمس والقمر وجميع الكواكب وهي حقيقة علمية سبق بها القرآن.
وجملة (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) فيها محسن الطرد والعكس فإنها تقرأ من آخرها كما تقرأ من أولها.
[٤١ ، ٤٤] (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤))
انتقال من عدّ آيات في الأرض وفي السماء إلى عد آية في البحر تجمع بين العبرة والمنة وهي آية تسخير الفلك أن تسير على الماء وتسخير الماء لتطفو عليه دون أن يغرقها.
وقد ذكّر الله الناس بآية عظيمة اشتهرت حتى كانت كالمشاهدة عندهم وهي آية إلهام نوح صنع السفينة ليحمل الناس الذين آمنوا ويحمل من كل أنواع الحيوان زوجين لينجي الأنواع من الهلاك والاضمحلال بالغرق في حادث الطوفان. ولما كانت هذه الآية حاصلة لفائدة حمل أزواج من أنواع الحيوان جعلت الآية نفس الحمل إدماجا للمنة في ضمن العبرة فكأنه قيل : وآية لهم صنع الفلك لنحمل ذرياتهم فيه فحملناهم.
وأطلق الحمل على الإنجاء من الغرق على وجه المجاز المرسل لعلاقة السببية والمسببية ، أي أنجينا ذرياتهم من الغرق بحملهم في الفلك حين الطوفان.
والذريات : جمع ذرية وهي نسل الإنسان. و (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) : هو المعهود بين البشر في قصة الطوفان ، وهو هنا مفرد بقرينة وصفه بالمفرد وهو (الْمَشْحُونِ) ولم يقل : المشحونة كما قال : (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) [فاطر : ١٢] وهو فلك نوح فقد اشتهر بهذا الوصف في القرآن كما في سورة الشعراء [١١٩](فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) ولم يوصف غير فلك نوح بهذا الوصف.