لكونه رسول الله ، لآمنوا بنظيره ، وبمن هو أوضح دليلا وأقوى برهانا منه ، والله تعالى أعدّ وهيّأ لكلّ كافر مطلقا بالدّين ، أو لمن كفر بسبب إيمانه ببعض الرّسل وعدم إيمانه برسل آخرين ، أعدّ للكافرين عذابا فيه ذلّ وإهانة لهم ، جزاء كفرهم.
وبه يتبيّن أن الكفر بالرّسل نوعان : كفر بجميع الرّسل ، وكفر ببعض الرّسل ، وأصحاب الكفر الأول لا يؤمنون بأحد من الأنبياء ، لإنكارهم النّبوات ، وأهل الكفر الثاني يؤمنون ببعض الأنبياء ولا يؤمنون ببعض آخر ، مثل اليهود الذين يؤمنون بموسى عليهالسلام ويكفرون بعيسى ومحمد عليهماالسلام ، والنصارى الذين يؤمنون بموسى وعيسى ويكفرون بمحمدصلىاللهعليهوسلم.
والفريقان سواء في استحقاق العذاب ، لأن الإيمان بالله ورسله لا يتجزأ ، فمن آمن حقيقة بالله ، آمن بجميع رسله الذين أرسلهم لهداية الناس ، فهو مصدر الإرسال ، والرّسل سفراء بين الله وخلقه ، فلا يتصور إيمان بالله وكفر ببعض رسله. وحينئذ لا يقبل إيمان بموسى وكفر بعيسى ، وإيمان بجميع الرّسل وكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فهو مذكور في كتبهم ، ومبشّر به عندهم ، ومصدّق لما معهم ، والقرآن مهيمن على ما سبقه من الكتب السماوية ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، وهو سبحانه القائل : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة ٥ / ٤٨].
ثم قرن الله تعالى بالفريقين السابقين الكلام عن فريق ثالث : وهم المسلمون ، للمقارنة والعظة والعبرة ، وهم الذين آمنوا بالله وجميع رسله ، فإنهم يؤمنون بكلّ كتاب أنزله الله تعالى ، وبكلّ نبيّ بعثه الله ، كما قال تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ، كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ...) [البقرة ٢ / ٢٨٥].
هؤلاء أعدّ الله لهم الجزاء الجزيل ، والثواب الجليل : (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ