وزرع ، فقرّب شرّ ما عنده وأردأه ، غير طيبة به نفسه ، وكان الآخر صاحب غنم ، وقرّب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها ، طيبة به نفسه. وذكر بعضهم أن القربان المقبول كانت تجيء النار من السماء لتأكله ، ولا تأكل غير المقبول.
فصعد الأخوان مع أبيهم آدم الجبل ، فوضعا قربانهما ، ثم جلس الثلاثة ، وهم ينظرون إلى القربان ، فبعث الله نارا ، حتى إذا كانت فوقهما ، دنا منها عنق ، فاحتمل قربان هابيل ، وترك قربان قابيل. فقال قابيل : يا هابيل ، تقبّل قربانك ، وردّ علي قرباني ، لأقتلنك ، فقال هابيل : قربت أطيب مالي ، وقربت أنت أخبث مالك ، وإن الله لا يقبل إلا الطيب ، إنما يتقبل الله من المتقين ، أي الذين يخافون عقاب الله باجتناب الشرك وسائر المعاصي كالرياء والشح واتباع الأهواء ، قال تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران ٣ / ٩٢] وقال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما رواه مسلم : «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا».
فلما قالها غضب قابيل ، فرفع الحديدة وضربه بها ، فقال : ويلك يا قابيل ، أين أنت من الله ، كيف يجزيك بعملك؟ فقتله وطرحه في حفرة من الأرض ، وحثا عليه التراب.
وقال هابيل الرجل الصالح : إن مددت إلي يدك لتقتلني ، لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله ، فأكون أنت وأنا سواء في الخطيئة ، ثم بيّن علة امتناعه عن القتل : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) أي إني أخشى عقاب الله وعذابه من أن أصنع كما تريد أن تصنع ، بل أصبر وأحتسب ؛ لأن الاعتداء على الأرواح من أكبر الجرائم. وفي هذا التصريح بعدم الإقدام على جريمة القتل ، فلا ينطبق عليه الوضع الوارد في الحديث الذي رواه أحمد والشيخان وغيرهم من قوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار ، قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل! فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه».