قال القرطبي : وهذا مردود هنا بما ذكرناه عن أهل العلم في تأويل الآية. ومعنى (مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) مدة كونك فيها (١).
وإقدام قابيل على القتل جعله من الخاسرين في الدنيا والآخرة ، وتضمنت الآية بيان حال الحاسد ، حتى إنه قد يحمله حسده على إهلاك نفسه بقتل أقرب الناس إليه قرابة ، وأمسّهم به رحما ، وأولاهم بالحنو عليه.
ودلت الآية : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً) على الاستفادة من تجارب الآخرين.
وبالرغم من أن قابيل أصبح من النادمين ، فلم يكن ندمه جاعلا له من التائبين ؛ لأن ندمه لم يكن على القتل وإنما على حمل أخيه على ظهره سنة ، أو لأنه لم ينتفع بقتله ، وسخط عليه أبواه وإخوته ، أو لأجل ترك أخيه بالعراء استخفافا به بعد قتله ، فلما رأى فعل الغراب بدفن الغراب الآخر ندم على قساوة قلبه (٢).
ودلت آية : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ..) على تشريع القصاص في حق القاتل على بني إسرائيل. وقوله : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) ليس إشارة إلى قصة قابيل وهابيل ، بل هو إشارة إلى ما ذكر في هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل الحرام وهو القتل العمد العدوان ، ومنها قوله : (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ومنها قوله : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ).
وتخصيص بني إسرائيل بالذكر ، وإن كان القتل حراما والقصاص عاما في جميع الأديان والملل ؛ لأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل الأنفس مكتوبا ، وكان قبل ذلك قولا مطلقا ، فغلظ الأمر على بني إسرائيل بالكتاب بحسب طغيانهم وسفكهم الدماء ، فهم مع علمهم بشناعة القتل أقدموا على قتل الأنبياء
__________________
(١) المرجع السابق : ٦ / ١٣٨
(٢) تفسير الرازي : ١١ / ٢١٠