سماوي يشهد أنك رسول الله إليهم. وهذا دليل على جهلهم بحقيقة الدّين ومعنى النّبوّة والرّسالة ، وعدم إدراكهم معنى المشيئة الإلهية والحكمة الرّبّانية : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ ، فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ، لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الأنعام ٦ / ٧] ، وسبب الجهل أنهم لا يميزون بين الآيات الصحيحة التي يؤيد الله بها رسله وبين الشعوذة وحيل السحرة المثيرة للدهشة والعجب.
وسؤالهم ذلك ليس بنيّة حسنة ، فهو لا من أجل الإقناع وطلب الحجّة والبرهان بصدق ويقين ، وإنما هو من قبيل التعنّت والتّعجيز والإحراج. قال الحسن البصري : لو سألوه ذلك استرشادا لأعطاهم ما سألوا.
ولا تعجب يا محمد من سؤالهم ، فقد سألوا موسى أعظم من هذا ، فقالوا : أرنا الله رؤية جهرة عيانا ، بلا حواجز ولا حجب ، وذلك دليل على الجهل بالله تعالى ؛ إذ هم ظنّوا أن الله جسم محدود تدركه الأبصار.
ونسب السؤال إلى اليهود المعاصرين للنّبوّة ، مع أن السؤال من آبائهم ؛ لأنهم ورثتهم المقلّدون لهم الرّاضون بفعلهم ، وهو مظهر من مظاهر تكافل الأمة الواحدة حال الرّضا بفعل بعض أفرادها.
وكان عقابهم على هذا الطلب المصحوب بالتعجيز والمراوغة نزول الصاعقة التي أماتتهم ، ثم أحياهم الله. والصواعق : شرارات كهربائية تنشأ بسبب اصطكاك الأجرام السماوية.
والإحياء مفسّر في سورة البقرة حيث يقول تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة ٢ / ٥٥ ـ ٥٦].