الوحيد الباقي للبشرية دون تغيير ولا تبديل ، وثابت ثبوتا قطعيا يقينيا لا شك ولا ريب فيه. والشرعة أو الشريعة عرفا : هي الأحكام العملية التي تختلف باختلاف الرسل وينسخ اللاحق منها السابق. والدين : هو الأصول الثابتة التي لا تختلف باختلاف الأنبياء.
ثم خاطب الله تعالى جميع الأمم ، وأخبر عن قدرته الفائقة أنه لو شاء لجعل الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة ، لا ينسخ شيء منها ، ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة ؛ إذ لا تصلح شريعة واحدة لكل الأزمان والشعوب ، بسبب تفاوتهم في الرقي والنضج العقلي ، فلما تقاربت البشرية شرع لها شريعة واحدة ، وأن الهدف من تشريعه شرائع مختلفة : هو اختبار عباده فيما شرع لهم ، لينظر الطائع فيثيبه ، والعاصي بما فعله أو عزم عليه فيعاقبه.
ثم ندب الله تعالى الناس إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها ، فقال : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي ابتدروها وتسابقوا نحو الطاعات ، وتنافسوا في طاعة الله واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لما قبله ، وصدقوا تصديقا يقينيا بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله ، وذلك كله لخيركم وصلاحكم ، ولإحراز الفضل والرضا الإلهي ، فإلى الله معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة ، فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق ، فيجزي الصادقين بصدقهم ، ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق ، العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان.
ثم أكد الله تعالى ما تقدم من الأمر بالحكم بما أنزل الله ، فقال : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ..) أي ألزمناك الحكم بالمنزل عليك ، ولا تتبع أهواء المعاندين ، واحذر أعداءك اليهود أن يضلوك عن الحق ، ويدلسوه عليك فيما يخبرونك من أمور ، فلا تغتر بهم فإنهم كذبة كفرة خونة. ومعنى : (عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) : عن كل ما أنزل الله إليك ، والبعض يستعمل بمعنى الكل. وقال ابن