ولأن أكثركم فاسقون ، أي متمردون خارجون عن حقيقة الدين ، وليس لكم من الدين إلا التعصب والمظاهر والتقاليد الجوفاء.
وقوله : (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) معطوف على (آمَنَّا) بمعنى : وما تنقمون منا إلا الجمع بين إيماننا وبين الحكم عليكم بتمردكم وخروجكم عن الإيمان ، كأنه قيل : وما تنكرون منا إلا مخالفتكم ، حيث دخلنا في دين الإسلام ، وأنتم خارجون منه.
ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف ، أي واعتقاد أنكم فاسقون.
ويمكن عطفه على المجرور ، أي ما تنقمون منا إلا الإيمان بالله وبما أنزل إلينا وبأن أكثركم فاسقون.
وعبر بالأكثر ؛ لأن بعض أهل الكتاب ما يزالون متمسكين بأصول الدين من توحيد الإله وعبادته ، والتزام الحق والعدل ، وحب الخير.
ثم أجابهم تعالى عن استهزائهم بقوله : قل لهم يا محمد ، هل أنبئكم أي أخبركم أيها المستهزئون بديننا الذين تقولون : «لا نعلم شرا من دينكم» وأعلمكم بما هو شر من أهل ذلك ، أو من دين من لعنه الله ، بتقدير مضاف محذوف قبل كلمة (ذلِكَ). واستدعى ذلك سؤالا آخر منهم عن الذي هو شر : ما هو؟
فأجاب تعالى : والذي هو شر من ذلك : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي هل أخبركم بشر مما تقولون وتظنونه بنا هو جزاء من لعنه الله. كقوله تعالى : (قُلْ : أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ : النَّارُ) [الحج ٢٢ / ٧٧٢]. وفي هذا انتقال من تبكيت لهم بإقامة الحجة على هزئهم ولعبهم إلى ما هو أشد منه تبكيتا وتشنيعا عليهم ، وهو التذكير بسوء حال أسلافهم مع أنبيائهم ، وما كان من جزاء الله لهم على فسقهم.