[آل عمران ٣ / ٩٣] ، والمراد أن جميع الأطعمة كانت حلالا لهم من قبل أن تنزل التوراة ، ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها.
ثم إنه تعالى حرّم أشياء كثيرة في التوراة ، كما قال : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا ، أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ، ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ، وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [الأنعام ٦ / ١٤٦] أي إنما حرمنا عليهم ذلك ؛ لأنهم يستحقون التحريم بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه ، ولذا قال : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي فبسبب ظلمهم ، وصدهم الناس وصد أنفسهم عن اتباع الحق ، وأمرهم بالمنكر ، ونهيهم عن المعروف ، وكتمانهم البشارة بالنبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذه سجية لهم اتصفوا بها من قديم الدهر وحديثه ، ولهذا كانوا أعداء الرسل ، وقتلوا خلقا من الأنبياء ، وكذبوا عيسى ومحمدا عليهماالسلام.
وبسبب أخذهم الربا الذي نهاهم الله عنه على ألسنة أنبيائهم ، فإنهم احتالوا عليه بأنواع الحيل ، وأكلوا أموال الناس بالباطل بالرشوة والخيانة ونحوهما من غير مقابل ، كما قال تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ، أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [المائدة ٥ / ٤٢] والسحت : الكسب الحرام.
وكان جزاؤهم الأخروي إعداد عذاب مؤلم لهم في نار جهنم ولكل كافر أمثالهم.
ويلاحظ أن تحريم الطيبات كان عاما ، أما العذاب الأخروي فكان للمصرّين منهم على الكفر ، الذين ماتوا عليه كافرين ، لذا استدرك سبحانه فقال فيما معناه : أما الراسخون في العلم النافع الثابتون فيه المطلعون على حقائق الدين ، الذين يؤمنون إيمانا صادقا بالله وبما أنزل إليك ، وما أنزل على من قبلك من الرسل كموسى وعيسى ، ولا يفرقون بين أحد منهم ، والمؤمنون إيمانا حقيقيا