(بمعنى أنهم مطالبون بأن يؤمنوا ، وأن يؤدوا الفرائض الشرعية بعد الإيمان) وقد بيّن الله تعالى في هذه الآية أنهم نهوا عن الربا وأكل المال بالباطل ، فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن ، وأنهم دخلوا في الخطاب ، فبها ونعمت ، وإن كان ذلك خبرا عما أنزل الله عزوجل على موسى في التوراة ، وأنهم بدّلوا وحرّفوا وعصوا وخالفوا ، فهل تجوز لنا معاملتهم ، والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم ، أم لا؟.
فظنت طائفة أن معاملتهم لا تجوز ، وذلك لما في أموالهم من هذا الفساد. والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم ، واقتحامهم ما حرّم الله سبحانه عليهم ، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآنا وسنة ، قال الله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [المائدة ٥ / ٥] وهذا نص في مخاطبتهم بفروع الشريعة ، وقد عامل النبيصلىاللهعليهوسلم اليهود ، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله.
ثم استثنى مؤمني أهل الكتاب ؛ لأن اليهود أنكروا وقالوا : إن هذه الأشياء كانت حراما في الأصل وأنت تحلّها ، ولم تكن حرّمت بظلمنا ، فنزل : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) والراسخ : هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه.
هؤلاء المؤمنون من الكتابيين مثل عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ونظراؤهما والمؤمنون من المهاجرين والأنصار أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومقيمو الصلاة ، ومؤدو الزكاة ، سيعطيهم الله ثوابا عظيما لا يقدر وصفه إلا الله وهو الجنة.
وأشارت الآيات إلى أن أنواع الذنوب محصورة في نوعين : الظلم للخلق ، والإعراض عن الدين الحق ، أما ظلم الخلق فإليه الإشارة بقوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ