ولا تحلّ ذبائح المجوس ولا التّزوج بنسائهم ، لما روي في السّنة. وطعامكم حلّ لهم أي وذبائحكم حلّ لأهل الكتاب ، فلكم إطعامهم منه أو بيعهم منه. وإنما قال ذلك للتّنبيه على أن الحكم مختلف في الذّبائح والمناكحة ، فإن إباحة الذّبائح حاصلة من الجانبين ، بخلاف إباحة المناكحات فإنها من جانب واحد ، والفرق واضح وهو أن إباحة الطعام من الجانبين لا تستلزم محظورا ، أما لو أبيح لأهل الكتاب التّزوّج بالمسلمات ، لكان لهم ولاية شرعية على زوجاتهنّ ، والله تعالى لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعيّا.
وأحلّ لكم أيها المؤمنون التّزوّج بالحرائر المؤمنات والكتابيّات من اليهود والنصارى ، سواء كنّ ذميّات أو حربيّات ، إذا آتيتموهنّ أجورهنّ أي مهورهنّ. وتقييد الحلّ بإتيان المهور لتأكيد الوجوب ، لا لاشتراطه في الحلّ ، وتخصيص ذكر الحرائر للحثّ على ما هو الاولى منهنّ ، لا لان من عداهنّ لا يحلّ ، إذ نكاح الإماء المسلمات صحيح بالاتّفاق ، وكذا يصح عند أبي حنيفة.
أحلّ لكم الزّواج بالحرائر حالة كونكم أعفاء عن الزّنى متعففين بالزّواج بهنّ غير مسافحين أي مرتكبين الفاحشة مجاهرين بها ، وغير متخذي أخدان أي مسرّين إتيان الفاحشة ، أي أن المباح هو الزّواج بالحرائر العفيفات عن الزّنى ، بشرط إتيان مهورهنّ بقصد الإحصان والإعفاف ، لا سفح الماء عن طريق الزّنى العلني ، ولا عن طريق الزّنى السّرّي وهو اتّخاذ الأخدان.
ثم حذّر الله تعالى من المخالفات ورغب فيما تقدّم من أحكام الحلال ، فقال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) أي ومن ينكر شرائع الإسلام وتكاليفه ، ويجحد أصول الإيمان وفروعه ، فقد أبطل ثواب عمله وخاب في الدّنيا والآخرة ، أما في الدّنيا فباعتبار ضياع أعماله وعدم الإفادة منها ، وفي الآخرة بالخسارة والهلاك في نار جهنم.