براءة إلى أهل العهد المشركين ، وهم أهل مكة وخزاعة ومدلج ومن كان له عهد أو غيرهم من العرب ، أي إن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين ، وأنه منبوذ إليهم ؛ لأنهم ما عدا ناسا منهم وهم بنو ضمرة وبنو كنانة نكثوا العهد ، فنبذ العهد إلى الناكثين ، وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاؤوا ، لا يتعرض لهم.
وقوله : (فَسِيحُوا) عدول من الخبر إلى الخطاب ، أي قل لهم : سيحوا ، أي سيروا في الأرض آمنين غير خائفين أحدا من المسلمين. وتبيّن بالآية أن هذه البراءة وهذا النّبذ إليهم ، إنما هي بعد أربعة أشهر ، وأن عهد المعاهدين باق إلى آخر هذه المدّة (١).
وحددت لهم هذه المدّة ليفكروا في أمرهم ، فيختاروا إما الإسلام وإما القتال ، ولتكون لديهم فرصة للاستعداد للقتال ، إذا أصرّوا على شركهم وعداوتهم. وهذا منتهى التّسامح والإنذار ، حتى لا يتهم المسلمون بأخذهم فجأة على غرّة.
والأربعة الأشهر في رأي السيوطي هي : شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ؛ لأنه روي عن الزّهري : أن براءة نزلت في شوال.
وقال آخرون كالزّمخشري والرّازي والقرطبي وابن كثير : هي الأشهر الحرم في قوله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) وذلك لصيانة الأشهر الحرم من القتل والقتال فيها ، وهي عشرون من ذي الحجة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر ، وهذا هو القول الأصحّ في تقديري ؛ لأن الإمام علي رضياللهعنه قرأ أوائل سورة براءة على الناس يوم النّحر في منى.
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص : ٣ / ٧٧