وليس المراد بالأشهر الأربعة هي الأشهر الحرم المعروفة ، وهي : ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ورجب كما ارتأى ابن جرير نقلا عن ابن عباس ؛ لأن ذلك مخلّ بالنّظم القرآني ، مخالف للإجماع ؛ لأن حرمة هذه الأشهر قد نسخت ، ومثل هذا القول يقتضي بقاء حرمة الأشهر الحرم. وإنما المراد أشهر التّسيير الأربعة المذكورة آنفا.
والحكمة في إعطاء براءة لعليّ رضياللهعنه لتبليغها : أن براءة تضمّنت نقض العهد الذي كان عقده النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكانت سيرة العرب ألا يحلّ العقد إلا الذي عقده ، أو رجل من أهل بيته ، فأراد النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقطع ألسنة العرب بالحجة ، ويرسل ابن عمه الهاشمي من بيته ينقض العهد ، حتى لا يبقى لهم متكلّم.
وتضمّنت الآية جواز قطع العهد بيننا وبين المشركين ، وذلك في حالتين : حالة انقضاء مدّة المعاهدة ، فنؤذنهم أي نخبرهم بالحرب ، وحالة نقض العهد منهم ، أو خوف الغدر منهم ، فننبذ إليهم عهدهم.
ثم قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ ...) أي واعلموا علم اليقين أنكم لن تفلتوا من عذاب الله بالهرب والتّحصن إن بقيتم على شرككم وعداوتكم ، وإن أمهلكم ، وهو مخزيكم أي مذلّكم في الدّنيا بالقتل ، والآخرة بالعذاب في النّار ، كما قال تعالى في مشركي مكة وأمثالهم : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ، فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [الزّمر ٣٩ / ٢٥ ـ ٢٦].
وبعد أن أعلن الله براءته من المشركين ، أمر بإعلان هذه البراءة للناس قاطبة ، فقال : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ ...) أي وإعلام من الله ورسوله بالبراءة من عهود المشركين إلى الناس جميعا ، يوم الحجّ الأكبر وهو يوم النّحر الذي تنتهي