ثم قال تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ...) أي ونصركم أيضا في يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فيه ، إذ بلغتم اثني عشر ألفا ، وكان الكافرون أربعة آلاف فقط ، وقيل : ثمانية آلاف في قول الحسن ومجاهد ، فكانت الهزيمة عليكم ، لاعتمادكم على أنفسكم ، وغروركم بقوتكم ، وتركتم اللجوء إلى ربكم واهب النصر ، فلم تغن كثرتكم عنكم شيئا من قضاء الله ، وضاقت عليكم الأرض بما اتسعت من الخوف ، ثم وليتم مدبرين منهزمين.
وذلك أنهم اقتتلوا اقتتالا شديدا ، فانهزموا أمام ثقيف وهوازن ، إذ كمنت هوازن في وادي حنين ، ثم بادروا المسلمين بالقتال ، وحملوا حملة رجل واحد ، كما أمرهم سيدهم ، فولى المسلمون مدبرين ، وثبت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو ، والعباس عمه آخذ بلجامها وبركابها الأيمن ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر ، يثقلانها لئلا تسرع في السير.
وهذا دليل على تناهي شجاعته ورباطة جأشه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما هي إلا من آيات النبوة ، ثم قال : «يا رب ائتني بما وعدتني».
ثم قال للعباس وكان صيتا : صح بالناس ، فنادى الأنصار ثم نادى : يا أصحاب الشجرة (١) ، يا أصحاب السمرة ، فأجابوه : لبيك لبيك.
ويدعو الرسول المسلمين إلى الرجعة قائلا : «إلى عباد الله ، إلي أنا رسول الله» ويقول في تلك الحال :
أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب |
__________________
(١) يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها ، على ألا يفروا عنه.