فتراجع الناس ، وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ، وقيل : ثمانون ، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق ، فنظر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى قتال المسلمين ، فقال : «الآن حمي الوطيس» (١) ثم أخذ كفا من تراب ، فرماهم به ، ثم قال : «اللهم أنجز لي ما وعدتني ، انهزموا ورب الكعبة» فانهزموا ، قال العباس : «فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا» «لكأني أنظر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يركض خلفهم على بغلته». وتمت هزيمة هوازن ، وكانت هذه آخر غزوة ضد المسلمين ، انتصر فيها المسلمون ، وانهزم فيها العرب.
ولهذا قال تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ ...) أي أفرغ الله طمأنينته وثباته على رسوله ، وعلى المؤمنين الذين كانوا معه ، وأنزل جنودا لم تروها ، وهم الملائكة ، كما روي مسلم في صحيحة ، لتقوية روح المؤمنين وتثبيتهم ، وإضعاف الكافرين بما يقذفون في قلوبهم من الخوف والجبن من حيث لا يرونهم.
إلا أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر ، روي عن بعض من أسلم بعد حنين أنه قال : أين الخيل البلق ، والرجال الذين كانوا عليهم ، بيض ، ما كان قتلنا إلا بأيديهم؟!
وعذب الذين كفروا بسيوفكم بالقتل والسبي والأسر ، وذلك هو جزاء الكافرين في الدنيا ، ونظير الآية : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) [التوبة ٩ / ١٤].
وكان السبي ستة آلاف رأس ، والإبل أربعة وعشرين ألفا ، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة ، وكانت تلك أكبر غنيمة غنمها المسلمون.
__________________
(١) يعني : استعرت الحرب ، وهي من كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي لم يسبق إليه.