وجريا على عادة القرآن في فتح باب الأمل والتوبة أمام الكفار والعصاة ، قال تعالى : (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ثم يتوب الله بعد هذا التعذيب الذي حدث في الحرب على من يشاء من الكفار ، يعني : ومع كل ما جرى عليهم من الخذلان ، فإن الله تعالى قد يتوب على بعضهم ، بأن يزيل عن قلبه الكفر ، ويخلق فيه الإسلام ، كما قال أهل السنة ، أو بأن يسلموا ويتوبوا فيقبل الله توبتهم ، كما قال المعتزلة.
والله غفور لمن تاب ، رحيم بمن آمن وعمل صالحا. وقد تاب الله على بقية هوازن ، فأسلموا ، وقدموا على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسلمين ، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجعرانة (١) ، بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما ، فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وبين أموالهم ، فاختاروا سبيهم ، وكانوا ستة آلاف أسير ، ما بين صبي وامرأة ، فرده عليهم ، وقسم الأموال بين الغانمين ، ونفل أناسا من الطلقاء (أهل مكة) لكي يتألف قلوبهم على الإسلام ، فأعطاهم مائة مائة من الإبل ، وكان من جملة من أعطى مائة : مالك بن عوف النصري ، واستعمله على قومه : هوازن ، كما كان.
روى البخاري عن المسور بن مخرمة : «أن ناسا منهم جاؤوا إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبايعوه على الإسلام ، وقالوا : يا رسول الله ، أنت خير الناس ، وأبر الناس ، وقد سبي أهلونا ، وأولادنا ، وأخذت أموالنا ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن عندي من ترون ، إن خير القول أصدقه ، اختاروا إما ذراريكم ونساءكم ، وإما أموالكم» قالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا ، فقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «هؤلاء جاءونا مسلمين ، وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال ، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا ، فمن كان بيده شيء ، وطابت به نفسه أن يرده فشأنه ، ومن لا فليعطنا ، وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه» قالوا : رضينا وسلمنا.
__________________
(١) الجعرانة : موضع على سبعة أميال من مكة إلى الطائف.