إن الله عليم بأحوالكم وبما يكون في المستقبل من غنى وفقر ، حكيم فيما يشرعه لكم من أمر ونهي ، كالأمر بقتال المشركين بعد انقضاء عهودهم ، والنهي عن قرب المشركين للمسجد الحرام بعد هذا العام ، وهو أيضا حكيم فيما يعطي ويمنع ؛ لأنه الكامل في أفعاله وأقواله ، العادل في خلقه وأمره تعالى.
وهذا إخبار عن غيب في المستقبل ، وقد تحقق الخبر ، وأنجز الله وعده ، فأسلم أهل اليمن وأهل جدة وجرش وغيرهم ، وصاروا يحملون الأطعمة إلى مكة ، وأسلم المشركون أنفسهم ، ولم يبق منهم أحد يمنع من الحرم ، وأتتهم الثروات والخيرات من كل مكان ، وجاءتهم الغنائم وأموال الجزية التي كانوا يأخذونها من أهل الذمة.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآية على ما يأتي :
١ ـ النص صريح في أن المشرك نجس ، وفي أن المؤمن طاهر ليس بنجس. لذا كان مذهب المالكية والحنابلة : إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم ، وقال الشافعي : أحب إلي أن يغتسل. روى أبو حاتم البستي في صحيح مسنده أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مر بثمامة بن أثال يوما ، فأسلم ، فبعث به إلى حائط (بستان) أبي طلحة ، فأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلى ركعتين ، فقال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «لقد حسن إسلام صاحبكم» وأخرجه مسلم بمعناه. وكذلك أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر.
٢ ـ المشرك ممنوع من دخول المسجد الحرام ، والمقصود به لدى الشافعية : حرم مكة كله ، سواء مساجدها وغيرها ، فلا يمكن الكافر من دخول حرم مكة (١). قال الشافعي : الآية عامة في سائر المشركين ، وبخاصة في المسجد
__________________
(١) إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي : ص ١٧٣ وما بعدها.