وكانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تأتيهما بالطعام ، ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار ، ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم ، فيعفّي آثارهما ، فلما فقدته قريش جعلت تطلبه بقائف معروف بقفاء الأثر ، حتى وقف على الغار ، فقال : هنا انقطع الأثر ، فنظروا فإذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته (١) ؛ ولهذا نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن قتله. فلما رأوا نسج العنكبوت أيقنوا أن لا أحد فيه ، فرجعوا وجعلوا في النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مائة ناقة لمن ردّه عليهم ، والخبر مشهور ، وقصة سراقة بن مالك بن جعشم في ذلك مشهورة أيضا.
وقد روي من حديث أبي الدرداء وثوبان رضياللهعنهما : أن الله عزوجل أمر حمامة ، فباضت على نسج العنكبوت ، وجعلت ترقد على بيضها ، فلما نظر الكفار إليها ردهم ذلك عن الغار.
روى البخاري عن عائشة قالت : استأجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبو بكر رجلا من بني الدّيل هاديا خرّيتا (٢) ، وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ، فارتحلا وارتحل معهما عامر بن فهيرة والدليل الدّيلي ، فأخذ بهما طريق الساحل ، أي موضع بعينه ، ولم يرد به ساحل البحر.
قال المهلب : وفي هذا من الفقه ائتمان أهل الشرك على السرّ والمال إذا علم منهم وفاء ومروءة ، كما ائتمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا المشرك على سرّه في الخروج من مكة وعلى الناقتين. وقال ابن المنذر : فيه استئجار المسلمين الكفار على هداية الطريق (٣).
__________________
(١) هذا ثابت في صحاح السيرة ، وإن لم يثبته أهل الحديث.
(٢) الخرّيت : الدليل الحاذق والماهر بطرق المفاوز.
(٣) تفسير القرطبي : ٨ / ١٤٤ وما بعدها.