أو يعطوا الجزية عن يد (١).
وقد بادر الصحابة لتنفيذ هذا الأمر الإلهي الحاسم العام ، فقال أبو أيوب الأنصاري ـ وقد شهد المشاهد كلها إلا غزاة واحدة ـ : قال الله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا.
وروى ابن جرير الطبري عن أبي راشد الحرّاني قال : وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وقد فصل عنها من عظمه ، يريد الغزو ، فقلت : قد أعذر الله إليك ، فقال : أتت علينا سورة البعوث (أي سورة براءة): (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً).
وروى ابن جرير أيضا عن صفوان بن عمرو قال : كنت واليا على حمص ، فلقيت شيخا قد سقط حاجباه ، من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو ، قلت : يا عم ، أنت معذور عند الله ، فرفع حاجبيه ، وقال : يا ابن أخي ، استنفرنا الله خفافا وثقالا ، ألا إن من أحبه الله ابتلاه.
والجهاد واجب بالنفس والمال إذا قدر عليهما ، أو على أحدهما ، على حسب الحال والحاجة ، فقد كان المسلمون ينفقون على أنفسهم من أموالهم ، وهم يعدّون السلاح ، وقد ينفقون على غيرهم ، كما فعل عثمان رضياللهعنه في تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك ، وكما فعل غيره من أغنياء الصحابة. فهذه الآية : (انْفِرُوا) تتناول القادر المتمكن ؛ إذ عدم الاستطاعة عذر في التخلف.
ولما أصبح في بيت المال وفر وسعة ، صار الحكام يجهزون الجيوش من بيت المال ، وهذا هو المتبع الآن ، حيث تخصص بنود من الميزانية كل عام لنفقات الحرب والدفاع ، وتزاد الميزانية عند الحاجة.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٨ / ١٥٠ ـ ١٥٢