(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا : لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ؟ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ ، وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ ، رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ، فَأَوْلى لَهُمْ) [محمد ٤٧ / ٢٠].
وهذا دليل على الجبن والذل والهوان. وفي تخصيص (أُولُوا الطَّوْلِ) بالذكر فائدتان : الأولى : أن الذم لهم ألزم لكونهم قادرين على السفر والجهاد ، والثانية : أن من لا مال له ولا قدرة على السفر لا يحتاج إلى الاستئذان ؛ لأنه معذور.
هؤلاء رضوا لأنفسهم (بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) من النساء ، وفي هذا طعن برجولتهم ، وتشبيه لهم بالنساء.
وعلة ذلك أن الله ختم على قلوبهم ، بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل الله ، فلم تعد قابلة لنور العلم والهداية ، حتى كأنها قد ختم عليها ، فأصبحوا لا يفقهون أي لا يفهمون ما فيه صلاح لهم فيفعلوه ، ولا ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه ، ولا يدركون أسرار حكمة الله في الأمر بالجهاد.
ثم قارن الله تعالى وضعهم بوضع المؤمنين ، وبين ثناءه عليهم ومآلهم في الآخرة ، فقال : (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) أي بين تعالى حالهم ومآلهم ، وهو أن الرسول والمؤمنين معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وأدوا واجبهم ، فنالوا الخيرات العظمى في الدنيا كالنصر وهزيمة الكفر ، وفي الآخرة بالاستمتاع في جنات الفردوس والدرجات العلى ، وأولئك هم الفائزون بالسعادتين : سعادة الدنيا وسعادة الآخرة ، خلافا للمنافقين الذين حرموا منهما.
وقوله : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ ...) إما تفسير للخيرات والفلاح ، وإما أن الخيرات والفلاح هي منافع الدنيا كالعزة والكرامة والنصر والثروة ، والجنات ثواب الآخرة. والفوز العظيم : هو المرتبة الرفيعة والدرجة العالية.