قال الإمام أحمد عن شعبة عن سليم بن عامر : كان معاوية يسير في أرض الروم ، وكان بينه وبينهم أمد ، فأراد أن يدنو منهم ، فإذا انقضى الأمد غزاهم ، فإذا شيخ على دابة يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، وفاء لا غدرا ، إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ومن كان بينه وبين قوم عهد ، فلا يحلنّ عقدة ، ولا يشدها ، حتى ينقضي أمدها ، أو ينبذ إليهم على سواء» فبلغ ذلك معاوية ، فرجع ، فإذا بالشيخ عمرو بن عنبسة رضياللهعنه (١).
وروى الإمام أحمد أيضا عن سلمان الفارسي رضياللهعنه : أنه انتهى إلى حصن أو مدينة ، فقال لأصحابه : دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعوهم فقال : إنما كنت رجلا منكم ، فهداني الله عزوجل للإسلام ، فإن أسلمتم فلكم ما لنا ، وعليكم ما علينا ، وإن أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون ، وإن أبيتم نابذناكم على سواء : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الرابع ، غدا الناس إليها ، ففتحوها بعون الله تعالى.
وروى البيهقي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ثلاثة ، المسلم والكافر فيهن سواء : من عاهدته فوفّ بعهده مسلما كان أو كافرا ، فإنما العهد لله ، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها ، مسلما كان أو كافرا ، ومن ائتمنك على أمانة فأدّها إليه ، مسلما كان أو كافرا».
ثم أنذر الله تعالى الخائنين بما يحل بهم من عقاب ، وبيّن حال من فات النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر وغيره ، لئلا يبقى حسرة في قلبه نحو من بلغ في إيذائه مبلغا عظيما ، فقال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ...) أي لا يظننّ الذين كفروا أنهم فاتوا وأفلتوا من الظفر بهم ، ونجوا من عاقبة خيانتهم ، وأنهم فاتونا فلا نقدر عليهم ، بل هم تحت قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا ، فلا يعجزوننا ، كقوله تعالى :
__________________
(١) ورواه أيضا أبو داود الطيالسي عن شعبة ، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحة من طرق عن شعبة ، وقال الترمذي : حسن صحيح.